التباطؤ الصيني والاقتصاد العالمي

03:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

بينما تتركز أنظار العالم على دول منطقة اليورو بسبب أزمة الديون فيها ومشكلات قطاعها المالي والمصرفي، هناك جزء مهم جداً من الاقتصاد العالمي يشهد تراجعاً مطرداً قد ينذر بأزمة جديدة تعمق الركود الحالي . وليس المقصود هنا أكبر اقتصاد في العالم، أي اقتصاد الولايات المتحدة، لأنه مرتبط إلى حد كبير بأزمة أوروبا وبسببها لا يكاد يشهد أي تعاف من الركود الذي أعقب الأزمة المالية العالمية التي بدأت به قبل أربع سنوات . إنما المقصود هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الصيني، الذي لولا معدل نموه السريع لكان الاقتصاد العالمي كله دخل في مرحلة كساد عميق تشبه ثلاثينات القرن الماضي .

فرغم أن معدل نمو الاقتصاد الصيني ما زال أكبر من ضعف متوسط معدل نمو الاقتصاد العالمي، إلا أنه بدأ مع مطلع هذا العام يشهد تباطؤا سريع الوتيرة ينذر باحتمالات هبوط حاد يجر معه الاقتصاد العالمي كله . ويبدو في الوقت نفسه أن صانعي السياسة في بكين استنفدوا، أو كادوا يستنفدون، السبل الكفيلة بإعادة النشاط القوي للاقتصاد رغم أنه اقتصاد يدار بمركزية شديدة حتى مع آليات السوق المفترض أنه يعمل على أساسها .

فالمؤشرات الرسمية من الصين في الأسابيع الأخيرة تدل على تباطؤ واضح لا تغطي عليه أرقام زيادة فائض التصدير مقابل الاستيراد، ولا الزيادة الطفيفة في نشاط البنوك نتيجة خفض الفائدة قليلاً مطلع يونيو/حزيران للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات . وربما كان الأهم هو استمرار تراجع نمو الناتج الصناعي الصيني بدرجة ملحوظة . وإذا كان نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني لا يزال كبيراً، إلا أنه وصل الآن إلى نصف ما كان عليه قبل خمس سنوات تقريباً . فحتى عام 2007 كانت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين 2 .14 في المئة سنوياً، ووصل معدل التراجع إلى أن أصبحت 2 .9 في المئة نسبة النمو في العام 2011 ، أما في الربع الأول من العام الجاري فكانت نسبة نمو الاقتصاد الصيني 1 .8 في المئة .

ومن العوامل الأساسية التي أدت إلى هذا التراجع في نمو الاقتصاد الصيني ضعف الطلب على الصادرات الصينية في أسواقها الرئيسة في أمريكا الشمالية وأوروبا . ولطالما كان حساب التعاملات الخارجية يمثل 2 إلى 3 نقاط من نقاط النمو الاقتصادي المئوية السنوية، إلا أن مكتب الاحصاءات الوطني في بكين أشار حسب أرقامه الأخيرة إلى أن صافي حساب الصادرات خصم ما يصل إلى نقطة مئوية (8 .0 في المئة) من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من 2012 .

ومن العوامل الأخرى التي تسهم في تراجع نمو الاقتصاد الصيني انخفاض مستوى الانفاق الاستثماري .

إلا أن الأرقام الاقتصادية الرسمية الصينية لا تحظى بمصداقية كبيرة لدى المؤسسات الدولية، ويرجح كثير من المحللين المعنيين بالاقتصاد الصيني أن هناك مبالغة في أرقام الاستهلاك في ظل الضغوط الدولية المستمرة على بكين لتزيد من الطلب الداخلي على حساب الصادرات . ويتعامل الجميع بحذر شديد مع الأرقام الرسمية التي تصدر من بكين، خاصة إذا تعلقت كلها بنشاطات داخلية صينية لا يمكن التحقق منها من تعاملات مع الخارج . مع ملاحظة أن أرقام الاستهلاك تتضمن الإنفاق الخاص على الاستهلاك وكذلك الإنفاق الحكومي . وتتناقض أرقام زيادة مساهمة الاستهلاك في النمو الاقتصادي مع أرقام صينية أخرى تظهر تباطؤًا شديداً في مبيعات التجزئة في الصين .

واتخذت بكين إجراءات تهدف إلى تنشيط الاقتصاد من قبيل خفض معدلات الفائدة قليلاً وكذلك خفض متطلبات الاحتياطي للبنوك إلى نسبة 20 في المئة . مع ذلك تراجع الإقراض المصرفي في إبريل/ نيسان بنسبة شهرية 33 في المئة، وإن كان تحسن قليلاً بعد خفض نسبة الفائدة الأساسية .

وبعيداً عن هذه الاحصاءات والأرقام الرسمية، هناك مشكلة أخرى لم تظهر آثارها بعد، وهي حجم الديون الرديئة في الاقتصاد الصيني، خاصة تلك المستحقة للبنوك الرسمية على الإدارات المحلية في الأقاليم . وإذا كانت الحكومة تضمن، إلى حد ما، تلك القروض فإنها لا تستطيع العمل على التخلص منها بالشكل الذي يضر القطاع المصرفي ككل .

وربما تفكر القيادة الصينية في حزمة دعم جديدة لإنعاش الاقتصاد، لكنها لن تستطيع تكرار ضخ 4 تريليونات يوان كما فعلت عام 2009 . ومع ان مشروعات بنية تحتية وغيرها من أوجه الإنفاق الحكومي تساعد الآن في الحفاظ على وتيرة نمو معقولة، فإن ما تبقى من العام قد لا يشهد نمو الناتج المحلي الإجمالي إلا بأقل من 8 في المئة . ويمكن لذلك التباطؤ المعقول أن يجعل العالم يتفادى أزمة كبرى، في حالة ان يشهد الاقتصاد الأوروبي بعض التعافي مع نهاية العام فقط . أما إذا استمرت الأزمة في أوروبا وظل تأثيرها السلبي في الاقتصاد الأمريكي، فإن الاقتصاد الصيني سيتضرر أكثر . وفي حالة طول مدة التباطؤ أو نزول نسبة النمو عن 7 في المئة، فإن الاقتصاد العالمي مقبل على فترة ركود طويلة، أو حتى كساد .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"