مستقبل زراعة القطن المصري

02:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

تصادف هذه الايام، عيداً كاد ينساه الناس هو عيد الفلاح في مصر الذي يوافق 9 سبتمبر . ورغم ان الذكرى في مصر ترتبط بالاصلاح الزراعي الذي نفذته ثورة يوليو ،1952 الا ان هذا التاريخ من بين ايام النسيء في التقويم القبطي وهي عدة ايام تفصل بين نهاية السنة القبطية وبداية الاخرى . وتلك كانت ايام عز فيضان النيل، اذكان الفلاحون في مصر يزرعون ويحصدون حسب التقويم القبطي . وتلك مقدمة لحديث عن جانب من جوانب الزراعة، الاخذة في التراجع بين اهتمامات حكومات المنطقة لصالح الاستثمار المالي ومشروعات الخدمات .

ومع ان القطن لم يدخل مصر الا في مرحلة متأخرة، الا انه اكتسب في القرن السابق وبععض مما قبله سمعة لا تضاهيها سمعة، حتى اصبح القطن المصري طويل التيلة افضل اقطان العالم قاطبة . وشهدت زراعة تلك المحصول تغيرات جذرية في العقود الثلاثة الاخيرة .

وهذا العام، ادى ارتفاع الاسعار وتعافي الطلب العالمي على القطن إلى زيادة ملحوظة في الانتاج المصري من القطن بعد عامين من التراجع . إلا أن مستقبل زراعة القطن في مصر يظل محاطا بالشكوك مع تردد الحكومة في جعله المحصول الرئيسي المستهدف في خططها الزراعية .

وبدأ جني القطن بالفعل في مصر، ويتوقع أن يصل اجمالي المحصول إلى 7 .2 مليون قنطار (القنطار يساوي 50 كيلوغراماً)، فيما يعد زيادة معفولة عن محصول العام الماضي اذ لم تنتج مصر الا اقل من 2 مليون قنطار من القطن في اقل محصول سنوي في اكثر من مئة عام وان ظل اقل بنحو النصف عن مستوى الانتاج منذ نحو عشر سنوات قبل بداية التراجع عندما كان الانتاج يصل إلى 5 ملايين قنطار سنوياً .

أما في سوريا، فلا يتوقع ان يحقق المحصول نتائج جيدة في ثاني اكبر منتج للقطن في العالم العربي بعد اصابة مناطق بسوسة اللوز التي تنتشر مدمرة زراعة القطن . وان كانت امراض القطن انتشرت في بعض الزراعات بمنطقة الحسكة، كما يقول المزارعون وتنقل عنهم وسائل الاعلام السورية، إلا ان الحكومة تقول ان الاصابات محدة ويتم محاصرتها باستخدام المبيدات . وكانت سوريا من بين الدول التي استفادت من تعافي الطلب العالمي على القطن بزيادة حصتها من التصدير .

ومع التحسن في صادرات القطن بالفعل يتوقع ان يجني الفلاحون المصريون بعض المكاسب، خاصة وان الانتاج من حوض الهند مرشح للتراجع بعض القيضانات المدمرة التي ضربت باكستان واضرت بمحصول القطن ما يعني ان تراجع الانتاج الباكستاني والسوري سيوفر هامش تصدير افضل للقطن المصري .

ويعود التراجع في انتاج القطن في مصر إلى عدة عوامل بدأت بقرار الحكومة في الثمانينات بتحرير الزراعة وخصخصة الشركات والمؤسسات العامة العاملة في هذا المجال من محالج القطن إلى شركات النسيج في التسعينات . وادى تحرير الزراعة وخصخصة مؤسسات القطاع العام إلى عدم الزام القلاحين بزراعة القطن في مساحات محددة كل عام، وايضا توريد المحصول باسعار السوق دون الزام بسعر محدد تحدده الحكومة . وادى ذلك إلى تخلي الفلاحين عن زراعة القطن لصالح محاصيل اخرى اسهل زراعة واكثر ربحية . ثم جاء القرار الاهم في منتصف التسعينات بسماح الحكومة باستيراد انواع ارخص من القطن من الخارج لمصانع الغزل والنسيج المحلية ومن ثم لم تعد تلك المصانع مضطرة لشراء القطن المنتج محليا باسعار تنافسية . ولان القطن المصري عالي الجودة غالي الثمن بالاسعار العالمية، فلم تعد مصانع الغزل تقبل عليه وتفضل الاستيراد لتتمكن من منافسة انتاج المصانع الاسيوية التي تبيع منتجاتها النسيجية باسعار رخيصة لقلة التكلفة . ومع تحرير تجارة الغزل والنسيج عالميا لم يعد ممكنا ان تحمي الحكومة صناعتها المحلية من المنافسة الخارجية .

أما ما يفسر زيادة الانتاج هذا الموسم فهو زيادة المساحة المزروعة قطنا في مصر بنحو الثلث لتصل إلى 160 الف هكتار (ما يقرب من 400 الف فدان) مع توقع الفلاحون لتحسن اسعار المحصول وتعافي الطلب العالمي على القطن المصري . وهناك سبب اخر مهم جدا وهو الحظر الذي فرضته الحكومة على تصدير الارز المصري، ما جعل الفلاحون تحولون إلى زراعة القطن بدلا من الارز لتفادي خسارة في الارباح تنجم عن وفرة العرض من الارز .

ويشكل اعتماد المحالج ومصانع الغزل والنسيج المصرية على القطن المستورد تهديداً خطيراً لسمعة القطن المصري المعروف بجودته على مستوى العالم . واذا كان معروفا ان بعض الملابس والمنسوجات التي تحمل علامة 100% قطن مصري تضم في تكوينها قليلاً من أنواع القطن الاخرى، فان اعتماد اقطان مستوردة في المنسوجات المصرية يمكن ان يدمر ما تبقى الميزة التنافسية لعلامة قطن مصري . لكن الاخطر حقا هو ما تعتزم الحكومة المصرية القيام به من ادخال نوعيات من القطن الامريكي للزراعة في مصر يقال ان انتاجيتها اعلى وهو امر لم تثبته التجارب حتى الان . ومن بين تلك الاصناف القطن الامريكي (بيما) . ويرى خبراء اقطان كثيرون ان ادخال مثل تلك الاصناف للزراعة في مصر سيقضي نهائيا على سمعة القطن المصري باعتباره أفضل اقطان العالم .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"