ابتعاد الشركات عن سوق المال.. لماذا؟

02:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.أيمن علي

مع أن عدد الشركات الجديدة يزداد بالفعل، تراجع تسجيل الشركات في البورصة 50% بين 1996 و2016. وفي العام الماضي كان عدد الشركات المسجلة في البورصة في الولايات المتحدة أقل من العدد المماثل عام 1976 رغم مضاعفة حجم الاقتصاد 3 مرات.
تمكن الملياردير المغامر إيلون ماسك من إعادة شركة السيارات الكهربائية «تسلا» لصدارة عناوين الأخبار الاقتصادية مؤخراً، بعدما أعلن في تغريدة على «تويتر» أنه يفكر في تحويلها لشركة خاصة أي خروجها من سوق الأسهم بشراء أسهمها وتوقف إدراجها في السوق وأنه تمكن من تأمين الأموال اللازمة للصفقة. وفصل ماسك أن الصفقة ستكون على أساس سعر 420 دولاراً للسهم، في حين أن أعلى سعر تداول قبل التغريدة كان 371.15 وكان أعلى سعر وصل إليه السهم في سبتمبر/أيلول الماضي هو 389.61 دولار بعدما هبط إلى 244.56 دولار في أبريل/نيسان العام الماضي. وفيما كان أفضل تقدير لقيمة تسلا عند نحو 60 مليار دولار، فإن سعر السهم الذي أعلنه إيلون ماسك جعل قيمتها السوقية تزيد عن 70 مليار دولار. وأدى ذلك على الفور إلى إقبال على شراء أسهم الشركة التي أسسها ماسك ويملك أقل من ربعها بقليل وارتفع سعر السهم بأكثر من 10 في المئة (الحد الأعلى للتداول) ما اضطر السوق الأمريكية لوقف التعامل لفترة على السهم يوم الثلاثاء 7 أغسطس/آب.
ومع أن مصرفيين ومحللين شككوا في قدرة ماسك على توفير أموال من صناديق خاصة ومستثمرين لأن الشركة مديونة بكثافة ولا تحقق أي أرباح، إلا أن الأسواق لم تعبأ بهذا التشكيك خاصة وأن الاتجاه العام منذ فترة هو خروج الشركات من أسواق الأسهم وتحولها لشركات خاصة. وتزامنت فورة شركة تسلا مع إعلان الملياردير الأمريكي ستان كروينك عن شراء بقية الحصص التي لا يملكها في نادي أرسنال الانجليزي في صفقة وضعت قيمة النادي السوقية عند 2.3 مليار دولار. صحيح أن بعض الشركات التي خرجت من السوق وتحولت لشركة خاصة ربما تفكر في طرح جديد ودخول السوق إلا أن الغالبية من الشركات هي التي تفضل وضع الشركة الخاصة وليس المدرجة في أسواق الأسهم. ومع أن شركة كبرى مثل «ديل» للكمبيوترات ربما تعاود طرح أسهمها في السوق بعد خمس سنوات من تركها السوق وتحولها لشركة خاصة، إلا أن شركات كبرى أخرى مثل شركة أوبر مثلا تستبعد تماما طرح أسهمها في السوق وتفضل وضع الشركة الخاصة.
قد يكون الاستنتاج السريع أن الشركات تخشى تقلبات الأسواق وانكشافها على مخاطر كبرى بكونها شركات عامة مدرجة في أسواق الأسهم، وربما يذهب البعض إلى أن موجة فوران النمو في الاقتصاد الأمريكي التي بدأت مع رئاسة دونالد ترامب ليست مطمئنة وتنذر بغليان يعقبه انهيار. لكن الأقرب للدقة أن الشركات تحدد موقفها من الطرح في سوق الأسهم أو اختيار الابتعاد عن السوق واللجوء للملكية الخاصة من خلال صناديق الاستثمار والمستثمرين الاستراتيجيين لاعتبارات أخرى وإن لم تغفل تقلبات السوق ومخاطر الاقتصاد بشكل عام. فمع أن عدد الشركات الجديدة يزداد بالفعل، تراجع تسجيل الشركات في البورصة من 1996 إلى 2016 بنسبة 50 في المئة تقريبا، وفي العام الماضي كان عدد الشركات المسجلة في البورصة في الولايات المتحدة أقل من العدد المماثل عام 1976 رغم أن حجم الناتج المحلي الإجمالي (أي حجم الاقتصاد الأمريكي) العام الماضي يزيد عن ثلاثة أضعاف حجمه في عام 1976.
من الأسباب التي تدفع الشركات للبحث عن التمويل من الصناديق الخاصة والمستثمرين الاستراتيجيين، بدلا من الطرح في السوق، التكاليف المالية وغير المالية. فمن ناحية هناك تكاليف الطرح والتسجيل، وتكاليف إصدار البيانات بشكل دوري بغرض الإفصاح للسوق والمستثمرين وغيرها من التكاليف الدورية والمستمرة. ثم هناك أيضا تكلفة غير مباشرة على الشركات المسجلة من قبيل سهولة تعرضها لمغامرات مستثمري الأسهم وكذلك وضعها في دائرة الضوء ما قد يؤدي إلى مخاطر سياسية وإجرائية وتنافسية. وفي الأخير، كانت الحكمة التقليدية أن تسعى الشركات لتحقيق أهدافها والنتائج المرجوة بالنسبة للعائد والربحية في حال نسبة 60 في المئة أسهم و40 في المئة سندات واستثمارات صناديق. إلا أن ذلك أصبح صعبا في ظل زيادة ضغوط الأهداف الموضوعة للتحقيق وبالتالي تحتاج الشركات لقلب تلك النسب تقريبا حتى تحقق نمواً بأكثر من 5 في المئة.
ومع أن هيئات الأسواق المالية تسعى للتخفيف من الإجراءات واللوائح المنظمة لطرح الشركات وتداول أسهمها، إلا أن الشركات خاصة الجديدة والصغيرة ما زالت تخشى الانكشاف على تقلبات الاقتصاد وتحمل تكاليف أسواق المال. لكن هناك عامل آخر، وهو أن الشركات الخاصة أكثر قدرة على تحديد سياساتها من الشركات العامة المدرجة في أسواق الأسهم، لذا تجد أن عمليات الاستحواذ والاندماج بين الشركات الخاصة أكثر وأكبر منها بين الشركات المدرجة، وفي الأغلب ما تكون شركات خاصة تستحوذ على شركات مدرجة. وهنا ربما تكون الشركات الخاصة العائلية هي الأقدر حيث تضمن استمرارية استراتيجياتها بشبه ثبات مجالس إداراتها وعدم انكشافها بشدة على أسواق السندات واستراتيجيات صناديق الثروة المساهمة فيها التي لها تقلباتها أيضا.
الشركات إذاً لا تخرج من السوق لأسباب تتعلق بالسوق ومخاطره أو الاقتصاد الذي تعمل فيه، بقدر ما هو اختيار مبني على عوامل أخرى كثيرة.

كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"