هل تشكل أوروبا ندّاً لأمريكا في مجال العملة؟

03:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي

إن مستقبل الدولار وإن كان لا يبدو مشرقاً كما كان يوماً من الأيام، فإن الآفاق المتاحة لمنافسيه الرئيسيين تبدو أفضل قليلا، ويمكن أن نتوقع بعض الابتعاد عن الدولار مع تحول مركز الجاذبية في الاقتصاد العالمي نحو الصين والهند وغيرهما من الأسواق الصاعدة
يعتبر اليورو على نطاق واسع المنافس الطبيعي الأكبر للدولار، لقد بدأ اليورو حياته منذ عام 1999 بكثير من الخصائص الضرورية للقبول الدولي. بما في ذلك قاعدة اقتصادية كبيرة واستقرار سياسي، ومعدل للتضخم منخفض يحسد عليه، كل ذلك تدعمه سلطة نقدية مشتركة، هي البنك المركزي الأوروبي، الذي يلتزم تماماً بالحفاظ على الثقة في قيمة العملة مستقبلاً. وأوروبا هي الند للولايات المتحدة في الإنتاج والتجارة. ويتساءل الكثيرون لم لا تكون أوروبا نداً لأمريكا في مجال العملة أيضا؟
لكن هذا السؤال يغفل أن اليورو رغم كل ما يميزه من مواطن قوة، تعوقه أيضا عدة عيوب جسيمة. ومن بين هذه العيوب أن السياسة النقدية والسياسة المالية العامة في منطقة اليورو يشوبها في الأساس تحيز قوي مناوئ للنمو. مما يفاقم تأثير العوامل الأخرى التي تميل إلى إضعاف الناتج الممكن للاقتصاد الأوروبي. (مثال ذلك شيخوخة السكان، وجمود أسواق العمل، وصرامة القواعد التنظيمية الحكومية). ويصعب أن نتوقع من اقتصاد أوروبي متباطئ النشاط أن يجعل من اليورو عملة جذابة للتجارة أو الاستثمار. كما أن جوانب الغموض في هيكل حكومة منطقة اليورو تعطي الدخلاء فرصة للترتيب ومراجعة مواقفهم. فالجميع يعرفون أن اليورو جاء نتاجاً معقداً لمعاهدة دولية، لا يمكن أن تصلح إلا بقدر صلاحية الاتفاقية المتعددة الأطراف التي تكمن خلفها.
ومن ثم فلا غرابة في أن يكون التقبل الدولي لليورو ضعيفا نسبيا، ففي نشاط الأسواق الخاصة وفي سياق التواؤم مع إلغاء المعاهدات البينية في منطقة اليورو، لم يستطع اليورو أن يحقق أكثر من الاحتفاظ بنصيبه مقارنة بأنصبة عدة عملات «موروثة» سابقة عليه. ونظرا لأن المارك الألماني القديم كان قد تبوأ المرتبة الثانية على الساحة العالمية، فإن تحقيق اليورو مرتبة أدنى من ذلك كانت ستشكل صدمة حقيقية. ومع ذلك لا يزال الكثيرون يتنبأون بمستقبل مشرق لليورو على مستوى الحكومات كعملة احتياط. ورغم ان نقود أوروبا لا تمثل سوى نحو 20% من الاحتياطيات العالمية بالمقارنة مع حصة الدولار التي تزيد على الثلثين. رغم ذلك ووفقاً لبعض الدراسات وأشهرها دراسة نشرت عام 2008 تنبأت بأن اليورو قد يتفوق على الدولار في غضون عدة سنوات وتنبأت بأن يتم ذلك بحد أقصى عشر سنوات. الأمر الذي لم يتحقق، لأن تلك الدراسات تغفل الاعتبارات الدبلوماسية والعسكرية، التي تلعب دوراً حاسماً في اختيار الحكومات.
فاليابان، مثلاً - اعتمدت طويلا - على مظلة أمنية رسمية وفرتها الولايات المتحدة الأمريكية لحمايتها من التهديدات الخارجية، وظهر ذلك جليا في الأزمة النووية والصاروخية لكوريا الشمالية. وهناك عدد آخر من الدول مماثل لحالة اليابان. فهل يمكننا حقيقة أن نتصور أن تقدم هذه الدول التي تحوز أرصدة ضخمة جدا من الدولارات على تعريض روابطها الراسخة مع واشنطن للخطر عوضا من أجل بعض نقاط أساس من العائد على احتياطياتها؟ ومنطقة اليورو تتألف من مجموعة من الدول ذات السيادة التي لا تتلاقى في التطبيق إلا بصورة جزئية فقط. انظر مثلا التوجهات العسكرية لدول أوروبا الشرقية والبلطيق التي تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية لحمايتها من التهديدات الخارجية.
ومن ضروب الخيال الاعتقاد بأن تحل أوروبا محل الولايات المتحدة بصورة فعالة في نفوذها السياسي والعسكري في وقت منظور.
إن مستقبل الدولار وان كان لا يبدو مشرقا كما كان يوما من الأيام، فإن الآفاق المتاحة لمنافسيه الرئيسيين تبدو أفضل قليلا، ويمكن ان نتوقع بعض الابتعاد عن الدولار مع تحول مركز الجاذبية في الاقتصاد العالمي نحو الصين والهند وغيرهما من الأسواق الصاعدة التي تمثل الآن النصيب الأكبر من الاحتياطيات العالمية. ولا ريب في أن نطاق أي ابتعاد عن الدولار سوف يكون محددا بغياب بديل جذاب بشكل واضح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"