المصارف الخليجية والاستقرار المالي

00:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. لويس حبيقة  *
ليس هناك خوف على الأوضاع الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي لأنها أحسنت زيادة الاحتياطي النقدي لديها في السنوات القليلة الماضية.
فرض انخفاض سعر برميل النفط عملياً التفتيش عن مصادر إيرادات إضافية أو جديدة للدول المنتجة والمصدرة وفي طليعتها دول مجلس التعاون الخليجي. هنالك استثمارات في الخارج تعطي عائداً محترماً، إلا أن الأسواق المالية العالمية تتأرجح دائماً بين الربح والخسارة وبالتالي لا يمكن الاتكال عليها كثيرا.
حاليا قسم كبير من الإيرادات المالية ومدخول الصادرات يأتي من النفط وبالتالي انخفضت إيرادات دول مجلس التعاون 275 مليار دولار بين 2014 و2015. وبين 2011 و2014، بلغت قيمة الصادرات النفطية 70% من مجموع صادرات السلع والخدمات في دول مجلس التعاون و80% من الإيرادات المالية العامة أو 37% من الناتج. وضمن الإيرادات غير النفطية، حصة الضرائب قليلة جدا أي 1.6% من الناتج، معظمها ضرائب جمركية.
لم تتغير هذه النسب كثيراً مع الوقت بالرغم من التقدم الحاصل في التنويع الإنتاجي خاصة باتجاه الصناعة.
تكمن المشكلة في الاقتصادات النفطية في أن القطاعات غير النفطية تتأثر كثيرا بالنفطية من ناحية البيع والاستهلاك وحتى الاستثمارات كما تتأثر بإنفاق الدولة وبالتالي تعتمد على موازناتها. تتأثر كلها في نموها ووظائفها حتى تلك التي لا علاقة لها مباشرة بالنفط. المطلوب تقوية القطاع الخاص لتخفيف الاتكال على الموازنات العامة، وذلك لاستيعاب مليوني عامل اضافي من المتوقع أن ينضموا في دول مجلس التعاون إلى صفوف اليد العاملة. الموازنات تعجز ونسب النمو تنخفض وبالتالي وجب التحرك سريعا. تغيرات كبيرة خطيرة كلها بفضل عامل واحد هو سعر النفط يخرج أكثر فأكثر عن سيطرة دول المنطقة.
لذا من الطبيعي أن يجري التفكير عمليا بوضع ضرائب للتعويض عن انخفاض الإيرادات، منها الضريبة على القيمة المضافة وغيرها وربما لاحقاً ضريبة على الدخل. صعوبة الإدخال الضرائبي لا تعتمد فقط على قوننتها وتجديد خصائصها ونسبها، وإنما تفرض تغييرات كبيرة في العلاقة بين الدولة والمواطن لا تلحظها الأنظمة الحالية. يصبح المواطن مع الضرائب شريكا أكبر وأفعل في كل شيء، وبالتالي تتغير معالم الدول والأنظمة الاقتصادية والمالية. من نتائج الأوضاع المالية الحالية أيضا تخفيف الدعم عن السلع والخدمات، وضع تعريفات على الخدمات العامة، تخفيف المساعدات والهبات وضبط الإنفاق العام بما فيها الأجور والاستثمارات وهذا ما بدأ يحصل منذ أشهر وسيتعمق أكثر في الفترات القصيرة المقبلة. من النتائج رفع أسعار المحروقات على المستهلك وهي الأدنى عالميا حتى مقارنة بالولايات المتحدة. هنالك إدارة مالية أكثر صرامة لا تعتمد فقط على التقشف بل تدخل معايير الشفافية والمحاسبة بشكل أكبر وأدق.
ليس هنالك خوف على الأوضاع الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي لأنها أحسنت زيادة الاحتياطي النقدي لديها في السنوات القليلة الماضية. واذا كان معيار السلامة الدولي يكمن في حيازة الدولة ما يكفي لتغطية 4 أشهر من الواردات، نرى أنها تصل في سنة 2016 إلى 7 أشهر لكل من الكويت وقطر، 4.4 شهر لعمان، 27 شهرا للسعودية و3 أشهر لكل من الإمارات والبحرين وهي متدنية إذ تعود إلى تنوع الاقتصادين بشكل أفضل مقارنة مع الأربعة السابقة. كما أن المصارف التي اعتمدت في الماضي على النفط في الودائع والقروض ستتمكن من توزيع نشاطها للتعويض عن نتائج التغيرات الحالية بالرغم من ترابط أصحاب رؤوس الأموال عبر القطاعات. هنالك ضرورة لتفعيل القطاعات المالية دورياً تجنباً لمفاجآت يمكن أن تحصل كما جرى في أمريكا وأوروبا في سنة 2008.
المعروف عن المصارف الخليجية أنها تطبق معايير «بازل» بشكل دقيق وبالتالي قوية في رؤوس أموالها وسيولتها وفي حسن إدارتها للقروض مما ينعكس سلامة واضحة في موازناتها وحساباتها. في الأحجام، تبلغ الأصول المصرفية الوطنية 260% من ناتج البحرين، 165% من ناتج الكويت، 121% من ناتج عمان، 149% من ناتج قطر، 93% من ناتج السعودية و193% من ناتج الإمارات. كما أن قيمة أسهمها في البورصة تبلغ حوالي 70% من الناتج كمعدل.
مصارف كبيرة تتمتع بالنوعية في الادارة والخبرات التقنية كما لها حجم يجعلها مؤثرة ليس فقط في الاقتصادات الخليجية وإنما العربية عموما.
في نسبة القروض من الودائع، تصل إلى 89% في المصارف الخليجية مقارنة ب 122% في كندا، 115% في النرويج ومعدل 109% في مجموعة الدول الناشئة. في عائد الأصول، يصل إلى 1.8% في المصارف الخليجية مقابل 1.1% في كندا، 0.8% في النرويج ومعدل 1.8% في الدول الناشئة. في كافة المؤشرات الأخرى منها المرتبطة بكفاءة رأس المال وسياسة الإقراض وغيرها، تأتي المصارف الخليجية في الطليعة مما يشهد على حسن وكفاءة وسلامة الإدارة.
الأهداف المستقبلية بالنسبة لدول الخليج لضمان استمرار الاستقرارين المالي والاقتصادي، تتلخص في تنشيط القطاعات البديلة عن النفط، والاستمرار في التنبه للإنفاق وتخفيف القسم غير المجدي أو بالأحرى ترشيد الإنفاق العام.
كما لا بد من إدخال ضرائب جديدة ومشروع الضريبة على القيمة المضافة جيد وإن كان بنسبة قليلة في البداية.

*خبير اقتصادي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"