الاقتصاد التركي.. هل يشهد انهياراً؟

00:42 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أيمن علي

توقعات سلبية للاقتصاد التركي لأسباب سياسة رغم رفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة بنصف نقطة، للمرة الأولى التي يرفع فيها الفائدة منذ 3 سنوات، لتصل إلى نحو 8 في المئة.. لم يتوقف تدهور سعر العملة الوطنية (الليرة) أمام الدولار إذ وصلت إلى مستوى يقارب ثلاث ليرات ونصف الليرة للدولار. وكان التوقع قبل قرار الفائدة في الأسبوع الأخير من نوفمبر تشرين الثاني أن يضطر البنك المركزي لعدم الانصياع لأوامر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدم رفع سعر الفائدة.
وتشير أحدث تقارير البنك المركزي التركي، استناداً إلى مسح يجريه البنك بين مختلف العمال في البلاد، إلى مزيد من التوقعات السلبية للاقتصاد فيما تبقى من العام وربما العام القادم. وربما أهم مؤشرات الاقتصاد الكلي تراجع توقعات النمو من 3.7 في المئة في يوليو تموز الماضي إلى 2.9 في المئة. كما توقع المسح أيضاً ارتفاع معدلات الفائدة وسعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية من 3.12 ليرة إلى 3.33 ليرة للدولار الأمريكي. وقد وصل سعر الليرة بالفعل إلى 3.45 ليرة للدولار بعد قرار رفع الفائدة ويتوقع أن تواصل الهبوط. وأكثر ما يثير القلق هو أن مسح البنك المركزي أكد نتائج استطلاعات أخرى بشأن مناخ الاستثمار والأعمال الذي يشهد تراجعاً بشكل عام تزيد من وتيرته عوامل مثل سعر صرف الليرة ومؤشرات الاقتصاد الكلي عموماً. وبغض النظر عن عوامل الاستقرار السياسي والأمني تشهد تدفقات الاستثمار على تركيا توجهاً سلبياً منذ العام الماضي (أي قبل محاولة الانقلاب الفاشلة بكثير) إذ تزداد وتيرة خروج رؤوس الأموال على مدى عامين الآن.
وبالنسبة للسياسة النقدية، تجد السلطات التركية نفسها أمام خيارين أحلاهما مر، للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يمكن أن تتفاقم على مدى السنوات الثلاث المقبلة. فإما أن يبدأ البنك المركزي برفع سعر الفائدة عكس ما يطالب به الرئيس أردوغان وينفذه البنك في السنوات الأخيرة لوقف هبوط الليرة والحد من التضخم. وإما يواصل الاستجابة لرغبة أردوغان ودائرة مستشاريه الضيقة ويخفض الفائدة (كما يفعل البنك على مدى الشهور الثمانية الأخيرة) بغرض تشجيع النمو وتوفير الوظائف في الاقتصاد. وليس من الواضح إن كان البنك سيواصل سياسته النقدية المتشددة التي بدأها بقراره الأخير رفع سعر الفائدة. ويعني ذلك ببساطة الاختيار بين البطالة أو التضخم، لذا يعتبر خياراً بين مر وأكثر مرارة.
فاستمرار تشديد السياسة النقدية قد يدعم العملة ومن ثم يوقف هروب رؤوس الأموال (وهذا غير واضح بعد هبوط الليرة إثر قرار رفع الفائدة الأخير) لكنه سيعني أيضاً تباطؤ النمو الاقتصادي ومن ثم ارتفاع نسبة البطالة التي تزيد على 13 في المئة بالفعل. أما خفض سعر الفائدة فربما يساعد النمو لكنه سيعني المزيد من التدهور في سعر الليرة، ومن شأن ذلك أن يصل معدل التضخم إلى مستوى يضغط على الاقتصاد ككل. ناهيك طبعا عن التبعات السياسية/ الاجتماعية لنتائج الخيارين.
وبدأ الكثير من الشركات التركية التي أصدرت سندات بالدولار أو اقترضت بالدولار من قبل تتحسب لمزيد من الاضطراب النقدي. وفي سبتمبر تخلفت أكبر شركة للاتصالات في تركيا عن دفع قسط دين عليها للمرة الأولى على الإطلاق. واعتبر كثيرون ذلك مؤشراً على ما هو قادم من مصاعب للشركات التركية.
وربما يكون المخرج من الخيارين عن طريق زيادة الاستثمار الخارجي وزيادة التصدير مقابل الاستيراد. ومن غير المتصور عودة التدفقات الاستثمارية للاقتصاد التركي إلى مستوى 2004-2006 لأسباب عدة بعضها له علاقة بالوضع الاقتصادي العالمي والآخر له علاقة بزيادة المخاوف من السلطوية في تركيا عقب محاولة الانقلاب الفاشل. وفي 2015 شكلت الصادرات نسبة 28 في المئة من الناتج المحلي الإجمال بينما شكلت الواردات نسبة 31 في المئة، ويصعب أيضاً تصور تقليل الواردات بالقدر الذي سيؤثر سلباً على أرقام النمو الاقتصادي. لا يقتصر الأمر على السياسة النقدية فحسب، والتي يرى كثير من المراقبين أن البنك المركزي لا يحظى فيها باستقلالية تمكنه من العمل على أساس اقتصادي وليس نتيجة توجيهات سياسية. إنما هناك عوامل أخرى كثيرة جعلت فورة النمو الاقتصادي التي شهدتها تركيا في السنوات الأولى من القرن الحالي تفقد زخمها، وفي الأغلب نتيجة تطورات سياسية داخلية وعبر حدود تركيا.
على سبيل المثال، أدت الاضطرابات الأمنية وعودة الصراع مع الأكراد بعد فترة من الهدوء ومفاوضات حلول سياسية إلى تراجع عوائد السياحة التي تشكل قدراً معقولاً من الدخل القومي التركي، في الربع الثاني من العام بنسبة سنوية تصل إلى 36 في المئة. إضافة إلى أن كل تلك التطورات أضرت بمناخ الاستثمار، وأثرت في أغلب القطاعات خاصة القطاع العقاري الذي كان محركاً قوياً للنمو في نهاية العقد الماضي.
وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو خفضت مؤسسة ستاندرد أند بورز التصنيف الائتماني لتركيا إلى أدنى مستوى (خردة) وكذلك فعلت مؤسسة موديز. وساهم ذلك في مزيد من التدهور في مناخ الاستثمار والأعمال بشكل عام، خاصة وأن محاولة الانقلاب الفاشلة تلتها موجة من تشديد السلطات قبضتها بشكل يميل إلى الدكتاتورية.
كل ذللك، إضافة إلى تورط تركيا في الحرب في سوريا وعودة الصراع المسلح مع مواطنيها الأكراد وغير هذا من السياسات الخارجية المضطربة، لا يبشر بإمكانية عودة الاقتصاد التركي إلى مسار النمو السابق في وقت قريب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"