قفزة نوعية في علاقة البشر والآلات

04:14 صباحا
قراءة 4 دقائق
علاء الشيمي*

ربط الأجهزة ببعضها البعض أصبح الشغل الشاغل في السنوات القليلة الماضية، وهو ما يثير حماستنا اليوم ويدفعنا للقول بأننا شهود عيان على عملية تحول حقيقية ستقلب حياتنا - ليس بعيداً - رأساً على عقب.
لو تمعَّنت في العبارات التقنية التي شاع استخدامها في السنوات القليلة الماضية وتمخضت بعض نتائجها خلال العام المنصرم، ستجد أن عام 2017 ينبغي أن يحظى بتقدير خاص كونه العام الذي انضم فيه عدد لا بأس به من التقنيات الحديثة والمهمة إلى من سبقها، خصوصاً على مستوى تقنيات الربط بين البشر والآلات، وكذلك بين الآلات والآلات. وقد عادت الحياة لتدب في استثمارات القطاعين الحكومي والخاص بأمان وطمأنينة مع بدء ظهور ملامح فعلية لتقنيات الجيل الخامس، والأتمتة، والذكاء الصناعي، والمدن الذكية والآمنة، وغيرها كون هذه الابتكارات وجدت لتدوم وتستمر في تحقيق الأرباح.
فإن لم تكن تعمل في قطاع التكنولوجيا لأصبحت العبارة المنمقة «العالم آخذ بالتغير» عبارةً قديمة بعض الشيء بالنسبة إليك، لكن هذا الأمر لا ينطبق على خبير في وول ستريت يبيع الناس فكرة الرقاقات الإلكترونية التي تسهم في الشفاء من الشلل، أو الشاحنات ذاتية القيادة المخصصة للمسافات البعيدة والتي تستهدف بالدرجة الأولى التقليل من الحوادث والإصابات. وإذا ما انصب التركيز في العقد الماضي على ربط الأفراد بالأجهزة، فإن ربط الأجهزة ببعضها البعض أصبح الشغل الشاغل في السنوات القليلة الماضية. وهو ما يثير حماستنا اليوم ويدفعنا للقول بأننا شهود عيان على عملية تحول حقيقية ستقلب حياتنا - ليس بعيداً - رأساً على عقب.
لنتناول مثلاً موضوع الشفاء من الشلل. فبهدف تجاوز الخلايا العصبية، يعكف العلماء على الوصل اللاسلكي لتكنولوجيا قراءة الدماغ مع المحفزات الكهربائية الموجودة في جسم الإنسان والتي تتيح للناس التحكم بأطرافهم مرةً أخرى. وبهذا الربط المدهش بين الجسم والعقل والآلة يكون العلماء وخبراء التكنولوجيا قد توصلوا إلى النتيجة التي دأبوا على الوصول لتحقيقها طوال سنوات. وهذا أمر مهم كون الغرض منه ليس تجارياً بامتياز.
وهنالك مجموعة من التقنيات المهمة والأساسية التي تسهم في تحقيق هذه النتائج المنشودة. فمثلاً، تضطلع البيانات الضخمة وأنظمة وبرامج تحليلها بمسؤولية زيادة مستوى الرعاية والمعرفة الطبية الشخصية بشكل كلي تقريباً. في حين أن تكنولوجيا الواقع الافتراضي التي تحتل الأولوية في المباحثات التي تجريها العديد من الشركات، تتيح للجراحين مزيداً من فرص التشارك واكتساب الخبرة وصقل مهاراتهم على مرضى افتراضيين لخفض الخطر الذي يحصل على طاولة العمليات الجراحية «الحقيقية». يضاف إلى ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، اللذان يتيحان للعلماء تحقيق ما يعجز الإنسان بالتأكيد عن تحقيقه منفرداً ويتمثل في تحليل النتائج الطبية الافتراضية المأخوذة من ملايين عينات الحمض النووي.
اليوم، يحقق التعلم الآلي بواسطة الذكاء الاصطناعي الربط الحقيقي بين الإنسان والآلة، وهو أمر لطالما انتظرنا تحقيقه طويلاً. ولربما كان التفكير في الماضي يتمحور حول كيف أن حلول الأتمتة والذكاء الاصطناعي ستحل محل الوظائف اليدوية، وبالتالي زيادة نسبة البطالة وقيام ثورة الأجهزة الآلية، بما ينتج عنه ربما تراجع الاعتماد على الجنس البشري. لكن بلا شك ليس هذا المقصود ولب القصيد. فالذكاء الاصطناعي مملوء بالفرص الجديدة والآفاق الواعدة، بما فيها فرص عمل جديدة ومتعددة. ويكفينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن التقنيات والحلول الحديثة تتيح لنا القيام بالعمليات الحسابية المعقدة التي لا يستطيع الإنسان القيام بها، وتفتح أمامنا دروباً جدية لاكتشافها والتمتع بمزاياها.
لننتقل إلى المثال التالي وهو أنظمة الكمبيوتر الكمية، فتطبيق قوانين وقواعد الطبيعة بهدف تحليل وحساب مجموعات البيانات الموجودة وغير الموجودة في العالم الواقعي سينتج عنه نتائج شبه مستحيلة وغير قابلة للتحقيق باستخدام الكمبيوترات العادية. فهذه الأنظمة عاجزة عن جعل هذه النتائج أو مجموعات البيانات التي تتعامل معها منطقيةً تتماشى مع توقعاتنا بشكل عملي. وهنا يأتي الدور البشري والذي يكمن في وضع حدود للتحليل وجعل النتائج منطقيةً ومناسبةً للاستخدام التجاري، مثل الشفاء من الشلل، والذي يعتبر بكل بساطة أجمل النتائج التي قرأتها خلال سنين والتي تم التوصل إليه بواسطة التكنولوجيا.
ولحسن حظنا، حتى إذا لم نكن ممن يعملون كعلماء في مجال الطب، هناك المزيد من النتائج الواضحة وضوح الشمس والمفهومة التي نشهد عليها بأنفسنا يوماً بعد يوم كأحد مفرزات مواكبة عالم التقنيات الحديثة. فعلى سبيل المثال، ظهرت خلال حقبة التقنيات الذكية ميزة تدعو للاهتمام وردت في معظم الخطط الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي تخصيص الاستثمارات لتطبيق التكنولوجيا في العديد من القطاعات الحيوية، مثل النفط والغاز، والتعليم، والسلامة العامة، والمواصلات وغيرها بهدف الوصول بالكفاءات التشغيلية والنوعية نحو مستويات جديدة، وبالتالي الوصول للهدف الأسمى وهو مزيد من اليسر والسرعة في الخدمات العامة، وبالتالي مستوى رضا وسعادة أفضل من الجمهور.
لقد لعبت أفكار ربط الأشياء ببعضها البعض وتبادل المعلومات والبيانات دور العامل المحفز لتطوير الصناعات. فعندما يجلس الأشخاص في عمل ما فيعقدون اجتماعاً، ويخططون لتحقيق تقدمهم على الصعيد الفردي، ويحددون طبيعة العمل الذي يقومون به، والمدة التي سيستغرقونها للقيام به، ويحددون ما الذي سيفعلونه حيال النتائج التي تم التوصل إليها، بإمكانهم حينئذ تحديد المسارات التي سيتبعونها استناداً إلى التقدم الذي يحققه كل منهم وأفكار كل منهم.
وهو بالضبط ما يفعله إنترنت الأشياء للتقنيات، فهو يتيح لنا الفهم الأمثل لحالة كل واحدة منها، وتحسين أدائها استناداً إلى كل عنصر وظيفي، أو عملية أو برنامج. ما ينتج نماذج عمل تتسم بالفاعلية، والسلامة والبساطة.
التقنيات الحديثة يمكن تطبيقها على قطاعات حيوية كثيرة كالمواصلات، والطاقة، وكذلك علم الاقتصاد، والمجال الأمني، على سبيل المثال لا الحصر، وكلما طبقنا الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على هذه الصناعات بوتيرة أكبر، زادت نسبة الكفاءة فيها وارتفع سقف النوعية، مع مواكبة العنصر الذي لا يختلف اثنان عليه، «السرعة» في عصر الحداثة والسرعة.

*العضو المنتدب ونائب الرئيس الإقليمي لمجموعة أعمال «هواوي إنتربرايز» لقطاع المشاريع والمؤسسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"