الإدارة الذكية في ظروف صعبة

04:32 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. لويس حبيقة

يجب أن يستمع المدير للنصائح التي تعطى له ولا يمكن إدارة شركة مع أذن صماء، إذ لكل إنسان تفكيره وخبرته ويجب الاستماع إلى النصائح.
من السهل عموماً إدارة الشركات في فترات ازدهار إذ تسير كل الأمور بهدوء وترتفع الأرباح وتتحسن القيمة السوقية ويفرح الجميع. لا يمكن التنويه بمديري الشركات الناجحة في فترات النمو، إذ إن القطار يسير في أكثر الأحيان حتى من دون سائق. الإدارة الجيدة هي التي تنجح في ظروف صعبة كالتي نعيشها اليوم عالمياً. في منطقتنا العربية، نمر بأصعب الظروف ليس فقط أمنياً وسياسياً وديموغرافيا، وإنما اقتصادياً أيضاً. «انهيار» أسعار النفط يؤثر بشكل دراماتيكي على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتبر محرك المنطقة المباشر وغير المباشر. هنالك تحديات كبيرة تواجه مديري الشركات العالمية والعربية تحديداً في تحقيق الأرباح في أوقات يسهل خلالها الفشل. معظم مديري الشركات العربية خاصة في الخليج تمرسوا في إدارة شركاتهم في ظروف ازدهار أسعار النفط ونجحوا، إلا أن التحدي الكبير يكمن اليوم في تحقيق النجاح الكبير أو النسبي في ظروف اقتصادية دقيقة من المتوقع أن تستمر لسنوات عديدة. فهل نحن جاهزون لهذا التحدي الكبير؟
من أبسط وأهون الأمور هي التعلم من تجارب الغير في منطقتنا وخارجها. التجارب الداخلية مهمة لكنها لا توازي الأخرى العالمية حيث نجح بعض القادة في بناء شركاتهم العملاقة من دون أي مساعدة أو دعم أو أحياناً خبرة ومال. شركات «ميكروسوفت»، «أمازون»، «فايسبوك»، «فيرجين» و«ألفابيت» وغيرها معروفة للجميع وأدهشت الأسواق، إلا أن دروس قادتها غير معروفة أحياناً للرأي العام وحتى بالنسبة لبعض مديري الشركات. من أهم القادة في عصرنا الحالي «ريشارد برانسون» مؤسس ومدير شركة «فيرجين» الناشطة في العديد من القطاعات منها الموسيقى والطيران والسياحة والخدمات وغيرها. لم يكن لبرانسون أي شهادات جامعية أو لم يحصل على تعليم مدرسي رسمي حيث لم يكن بالطالب الهادئ كما قال وكان يعاني من سوء التركيز والانضباط. كتب الكثير عن خبرته وتجربته، ومن أهم النصائح هو عدم الخلط بين السياسة والأعمال.
في رأي «برانسون» هنالك 5 ركائز أو نصائح لمن يريد تأسيس شركة ناجحة وتستمر في نجاحها. تكون هذه التوصيات مهمة أكثر بكثير في ظروف صعبة.
أولا: يجب أن يحب المدير العمل الذي يقوم به. لن ينجح إذا كانت الشركة مفروضة أو موروثة وهو مجبر على إدارتها. إذا لم تشعر بالسعادة خلال أدائك لعملك، فاترك المكان لغيرك.
ثانياً: يجب أن تكون متجدداً وخلاقاً بحيث لا تمل ولا يمل الموظفون الذين يعملون معك. التجدد والأفكار الجيدة مهمة خاصة في ظروف انحدار. ما هو موجود لا يكفي ولو كان كافياً لما حصل الانحدار. نريد أفكاراً جديدة في كل القطاعات وهذا ما ينقصنا في عالمنا العربي حيث نكتفي عموماً بالموجود ونبتعد عن الخلق والإبداع.
ثالثاً: الاهتمام بالموظفين والعاملين معك هو مهم جداً بحيث يفتخرون بالعمل في الشركة. هذا مهم خاصة في ظروف انحدار بحيث يعمل الموظف أكثر لشركته من الظروف العادية الطبيعية، ليس فقط حماية لوظيفته وإنما لإنقاذ الشركة التي يحب ويحترم وتبادله الاحترام والتقدير والعطف والمحبة. يقول «برانسون» أن الموظفين والعمال هما أهم أصول الشركات. إذا كانوا مسرورين، تنجح الشركة. الموظف الناجح يجذب الزبائن لمصلحة الشركة.
رابعاً: يجب أن يستمع المدير للنصائح التي تعطى له. لا يمكن إدارة شركة مع أذن صماء، إذ لكل إنسان تفكيره وخبرته ويجب الاستماع إلى النصائح. يجب عدم إهانة أو انتقاد موظف علناً أمام زملائه. فالموظف أو العامل الذي لا ينتج يعرف ذلك، وبالتالي ليس من الضرورة إخباره بذلك. يجب على المدير أن يحافظ على هدوئه عندما يخاطب الموظفين، فالانفعال لا يجدي بل ربما يجلب الكراهية والبعد. يجب على المدير أن ينوه علنا بالموظف الذي يحقق نجاحات باهرة، فهذا يشجعه على الاستمرار في ذلك بل في تحقيق نتائج أفضل. التنويه العلني يكون أحياناً أفضل من الهدية المالية أو المادية.
خامساً: يجب على المدير أن يكون ظاهراً وموجوداً في مكاتبه ويتعاطى في التفاصيل أي من الخطأ الانعزال أو الابتعاد عن الشركة أو المصنع أو الزبائن. على المدير التكلم بشكل متواصل مع الموظفين والعمال والزبائن بحيث يتحسن الأداء ويعمل الجميع معاً كفريق في خدمة الشركة. المدير الجيد هو الذي يعرف جيدا من يعملون معه فيعزز التواصل والجاذبية فيما بينهم.
يقول «برانسون» إن على المدير الجيد أن يهتم بالأمور الخمسة التالية: نوعية المنتج، الإنسان أي الموظف والزبون، السعر، التسويق والتمويل. من الخطأ القول إن هنالك طريقة واضحة فضلى لإدارة الشركات، إذ إن العديد نجح كبرانسون لكن بطرق إدارية مختلفة. «ستيف جوبز» مؤسس «أبل» نجح عبر القيادة الهرمية من فوق إلى أسفل، أما «برانسون» فنجح عبر تكليف المسؤولين في «فيرجين» في القيام بالعديد من المهمات أي بنقل بعض الصلاحيات. قال «هنري فورد» الصناعي الكبير إنه ليس هنالك مهمة صعبة إذا قسمتها إلى أهداف صغيرة. قال «جوبز» إنه ليس من الخطأ أن تتبع قلبك الذي يمكن أن يصيب أكثر من العقل. قال أيضاً إنه إذا فعلت أمراً ناجحاً أو نفذت مهمة ناجحة، فيجب أن تفعل أمراً آخر أي تنتقل إلى هدف جديد. قال أيضاً إنه إذا لم تكن عنيداً فستيأس من التجارب، وإذا لم تكن مرناً فلن تجرب حلولاً أفضل لمشاكلك. في كل حال، الناجحون أحبوا عملهم وهذا هو المهم بل الأهم.
قال «ألبرت أينشتاين» إن مقياس الذكاء هو القدرة على التغيير وأي شخص لم يخطئ في حياته هو حكما شخص لم يجرب شيئاً جديداً. قال «محمد علي»، بطل الملاكمة، كي تكون بطلا كبيرا يجب أن تعتقد أنك الأفضل وليس أن تدعي ذلك. قال «غاندي» إن السعادة تكمن في التجربة وليس في النتيجة. الجهد الكامل هو النصر الكامل.
أخيرا لا بد من الاستفادة من هذه الطاقات الإدارية والعلمية عبر بعض النصائح للقطاع العام تكون مناسبة ومهمة، خاصة في الظروف الصعبة. يمكن اقتباس التوصيات التالية:
أولاً: لا بد من توافر التمويل للأعمال وخاصة للشركات الفردية والصغيرة التي تحمل إبداعاً وأفكاراً جديدة داخلها.
ثانياً: لا بد من استقبال الاستثمارات الخارجية وتسهيل توجهها إلى حيث تريد ولو أرادت بعض النصائح، فيجب أن تتوفر لها من بعض الدوائر المرتبطة بالقطاع العام. تحتاج الاستثمارات إلى تسهيل الإجراءات والقوانين ومواجهة الفساد الذي يضرب كل القطاعات العامة.
ثالثاً: يجب تحسين وتطوير وتحديث البنية التحتية التي تسرع العمل والاتصال والانتقال. أفضل البنى التحتية يصبح قديماً خلال سنوات قليلة بسبب التطور التكنولوجي الذي يسرع الأعمال ويرفع من فعاليتها وأدائها.
رابعاً: هنالك جو عالمي يشجع على الاستثمار في الطاقات البديلة أي غير الملوثة. بعد اجتماع باريس في آخر السنة الماضية، تحقق إجماع دولي على ضرورة الإصلاح البيئي لغاية الصحة وتحسين نوعية الحياة. الطاقات البديلة متوافرة وسهلة وغير مكلفة والحل يكمن في القيام بالجهد المناسب لذلك. انخفاض سعر النفط مؤخراً يؤخر عملياً الدفع نحو الطاقات البديلة لأن التفكير العام قصير الأجل.
خامساً: التحديث المستمر في التعليم وقوانين العمل من ناحيتي المحتوى والتناسب مع الحاجات الإنسانية وتطور العلوم والأسواق. كلما أهملنا هذا التحديث في منطقتنا، كلما تأخرنا أكثر عن قطار التطور والإنتاجية والتنمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"