الحريري يجازف بمستقبله السياسي

01:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي
لا شك أنها من عجائب الحياة السياسية في لبنان، فما حدث مؤخراً من ترشيح رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري لخصمه السياسي العماد ميشال عون، لا يحدث مثيل له في العالم. كان الحريري قد فعلها قبل ذلك حين رشّح الوزير السابق سليمان فرنجية للرئاسة، لكن الترشيح لم يمر في المعسكر الذي ينتمي إليه فرنجية، بسبب إصرار هذا المعسكر بقيادة حزب الله على ترشيح عون ولا أحد سواه حتى لو كان أي مرشح آخر ينتمي لفريق 8 آذار. يحدث في العالم أن يرتضي طرف سياسي بنجاح الخصوم في الانتخابات، احتراماً لصناديق الاقتراع ولإرادة الناخبين ولموجبات العملية الديمقراطية، أما أن يُزكّي طرف ما خصمه ويُعبّد له الطريق للوصول إلى أعلى منصب في الدولة، فذلك لا يحدث حقاً سوى في بلد الأرز. وحتى في لبنان فإنه نادر الحدوث. خاصة حين تكون الرؤى والمواقف شديدة التباعد كما هو حاصل منذ عام 2005.
على أن الاصطفافات في لبنان لا تقتصر على فريقي 14 و8 آذار. فداخل كل فريق هناك تلاوين متعددة. وأوضح مثال على ذلك هو موقف رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل نبيه بري الذي رغم انضوائه في فريق 8 آذار فإنه يعترض بشدة على ترشيح عون، وسبق أن نشأ تفاهم بين بري والحريري ووليد جنبلاط على رفض هذا الخيار. وما إن أعلن الحريري مساء الخميس الماضي عن ترشيحه لعون حتى جدد بري اعتراضه على هذا الترشيح، ونسبت له تصريحات مضمونها أن الحريري قد خذله في الموقف المفاجئ الذي اتخذه. أما جنبلاط الخبير في تدوير الزوايا والتكيف مع الظروف وحرصه الوجودي على حماية طائفته الدرزية، فقد اختار أن يجري عملية جراحية لإحدى عينيه بالتزامن مع إعلان الحريري. غير أن نواباً في جبهة النضال النيابية التي يترأسها مروان حمادة وفؤاد السعد وأنطون سعد إضافة إلى مرشح جنبلاط هنري الحلو أعلنوا رفضهم لترشيح عون. ولم يكن ينقص المشهد السيريالي سوى اعتراضات داخل تيار المستقبل الذي يقوده الحريري رافضة لهذا الخيار ومنهم رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وبعض النواب.
الحريري عزا خطوته إلى أنه رشّح من قبل آخرين للسباق الرئاسي منهم أمين الجميل وسليمان فرنجية وسمير جعجع على أن الأخير لم يلبث أن انسحب من السباق وأعلن تأييده لترشيح عون، لكن هذه الترشيحات لم يقيض لها أن تمر. ولخشيته من الفراغ الرئاسي وانعكاسات ذلك على عمل المؤسسات وعلى أحوال البلد عموماً، فقد لجأ الحريري كما قال إلى التضحية.
مصادر متطابقة ذكرت أنه قد جرت تفاهمات عامة بين الرجل ومرشحه، لكن الأمر لم يبلغ حد توقيع اتفاق مكتوب، أو حتى التوصل إلى اتفاق شفوي حول أمور ظلت على مدى عشر سنوات، خلافية. وجرى ترديد عبارات عامة لا تلزم بشيء من قبيل إن عون سيكون رئيساً لكل اللبنانيين! وهو سيكون كذلك بالفعل بصفته رئيس الجمهورية، إذا قيض له الفوز في الجلسة المقررة يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وبصرف النظر عن السياسة التي سوف يتبعها. ومعلوم أن عون إن ترأس الدولة فسوف يختار الحريري رئيساً للحكومة، علماً بأن رئيس الجمهورية لا بد له من القيام بإجراء مشاورات ملزمة مع النواب، وعليه وفقاً لما قضى به اتفاق الطائف أن يختار لرئاسة الحكومة من يرشحه النواب. وسوف يرشح الحريري في هذه الحالة نواب التيار الوطني الحر الذي أسسه عون، ونواب حزب الله، رئيساً للحكومة كرد للجميل. غير أن الرجل سيكون مقيداً إلى حد بعيد في تشكيل الحكومة، فقد جرى العرف أن يسمّي رئيس الجمهورية وزيرين على الأقل، إضافة إلى نواب 8 آذار. وسوف ينعكس ذلك على البيان الوزاري الذي يشكل ميثاقاً يحدد عمل الحكومة وسياساتها. أما أصدقاء الحريري وحلفاؤه في الخارج، فعلى الأغلب لن يحتفظوا بدرجة ثقتهم السابقة بالرجل فمن يختار خصمه لا يضمن ألا ينحاز لسياسة هذا الخصم السياسي، أو يمالئها في أضعف الأحوال.
وفي جميع الأحوال فإن صورة الرجل كصاحب خط استقلالي وعروبي قد تعرضت للاهتزاز، بعدما بذل من التضحيات بأكثر مما هو مطلوب منه، وبغير الاتجاه المتوقع منه، وهو بذلك يجازف بمستقبله السياسي، رغم كل النوايا الإيجابية التي كشف عنها، فإذا كانت لبنان الوطن والشعب والدولة هي كل ما يعنيه، فإن الآخرين لا يشاطرونه هذه الروح وهو ما ستكشف عنه التطورات اللاحقة المرهونة بتفاعلات المنحى الجديد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"