عام هادئ لأوبك

02:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

مرّ هذا العام من دون صداع كبير لمنظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك)، لا من السياسيين في الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للطاقة ولا من وسائل الإعلام الغربية . ورغم ان أوبك بدأت العام بتخفيض في الإنتاج يزيد على اربعة ملايين برميل يوميا، الا ان استقرار السوق لم يجعلها هدفا للحملات المعتادة . كما ان الازمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد العالمي وتعود اسبابها الى انهيار القطاع العقاري الامريكي وحجم المخاطر الهائل في القطاع المالي العالمي، ألهت الدول الكبرى الى حد ما عن استهداف اوبك ككبش فداء لمشاكلها الاقتصادية التي تمررها لمواطنيها .

لذا، وللمرة الاولى تمضي عدة شهور من دون أخبار رئيسية وتعليقات وتصريحات سياسيين تتهم منتجي النفط بالمسؤولية عن ارتفاع اسعار البنزين والديزل في الدول المستهلكة .

وهكذا قد يكون آخر اجتماع لأوبك هذا العام (في 22 ديسمبر/كانون الاول) في انجولا اكثر اجتماعاتها هدوءا في الآونة الاخيرة . فحسب تصريحات معظم وزراء النفط في دول المنظمة، لا يتوقع ان يشهد سقف انتاج اوبك أي تغيير مع استقرار السوق والاسعار لعدة اشهر الآن . كما ان تراجع الطلب على الطاقة نتيجة الركود الاقتصادي في الدول المتقدمة امريكا الشمالية واوروبا الغربية عوضته زيادة الطلب من الاقتصادات الصاعدة كالصين والهند وجنوب افريقيا وغيرها . ويلاحظ في الجولة الثانية من مناقصات تراخيص عقود تطوير حقول النفط العراقية ان نصف الشركات المتنافسة، والفائزة بعقود، هي شركات آسيوية من قبيل شركة البترول الوطنية الصينية وبتروناس الماليزية وشركات هندية ايضا .

كان آخر تحرك لأوبك في نهاية العام الماضي، عندما قررت عدة تخفيضات متتالية في الإنتاج بلغ اجماليها 2 .4 مليون برميل يوميا، قوبل ببعض الامتعاض من الدول الرئيسية المستهلكة للطاقة . لكن انخفاض اسعار النفط نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري الى نحو خمس ما وصلت اليه في صيف العام الماضي خفف من أي انتقادات .

وكانت اسعار النفط وصلت مطلع العام الى نحو 30 دولارا للبرميل، قبل ان تعاود الارتفاع الى مستوى معقول يفضله المنتجون والمصدرون ولا يزعج المستهلكين وهو نطاق 65 75 دولاراً للبرميل . ولا يشكل هذا النطاق المستهدف سوى نصف ما وصل اليه سعر البرميل في يوليو/تموز من العام الماضي حين قارب سعر البرميل 150 دولارا .

في الاغلب، ستنحصر مهمة اجتماع لواندا وهو اجتماع دوري غير استثنائي لأوبك في بحث سبل التوازن بين فائض ضخم في المعروض ومخاطر زيادة في الطلب على النفط قد ترفع اسعار الخام وتتسبب في متاعب للاقتصاد العالمي .

وتتحسب اوبك ايضا لمخاطر مضاربات محتملة في السوق، مع مؤشرات التعافي وعودة المتعاملين الى اسواق السلع . ومع خفوت التفاؤل القوي بخروج الاقتصاد العالمي من الركود نهاية العام، ربما تجد اوبك نفسها في وقت قريب عرضة لضغوط لزيادة الانتاج كي لا ترتفع الاسعار عن المستوى الحالي وتؤخر اكثر تعافي الاقتصاد العالمي .

وهنا تأتي اهمية العاملين في المنظمة المسؤولين عن متابعة السوق ووضع التوقعات قصيرة ومتوسطة المدى، التي يستند اليها الوزراء في قراراتهم بشأن مستوى الانتاج . وتحديداً ادارة البحوث والدراسات التي تجمع المعلومات وتحللها لتضع تصورات واحتمالات لحركة السوق .

كما يؤخذ في الاعتبار انه مع تحسن الاسعار في النصف الثاني من العام الجاري، خف الالتزام بالحصص من جانب بعض الاعضاء في محاولة لزيادة الدخل بزيادة الصادرات .

ومن شأن ضبط الالتزام بالحصص ان يبقي على الاسعار مستقرة في حال انخفاضها عن الستين دولارا للبرميل، ويمكن ايضا حل مشكلة التزام الحصص بتقرير زيادة في مطلع العام توازي ما يتم انتاجه وتصديره فوق مستوى الانتاج الرسمي .

وستكون مسألة الالتزام بالحصص على جدول اعمال اجتماع لواندا كالمعتاد مع ملاحظة ان نسبة الالتزام تراجعت مؤخرا بعد ان كانت وصلت الى نحو 60 في المائة .

تجدر الاشارة الى ان الربع الحالي والربع الاول من العام المقبل يشكلان زيادة موسمية في الاستهلاك بسبب برودة الجو في نصف الكرة الارضي الشمالي . وربما كان ذلك عاملاً مهماً حافظ على استقرار الاسعار نتيجة سحب الدول المستهلكة من مخزوناتها التجارية، خاصة في ظل اوضاع اقتصادية متردية في اغلب الدول التي تعاني البرودة في الخريف والشتاء . إلا ان زيادرة كبيرة في الانتاج من جانب اوبك قد تؤدي الى فائض راكد في السوق، يمكن ان يهوي بالاسعار الى مستويات الخمسين دولارا (أي ثلث مستوياتها صيف العام الماضي)، وهو ما يضر حتى بميزانيات الدول المصدرة .

لكن يبقى ان وزراء دول اوبك سيذهبون الى لواندا في راحة الى حد كبير، عكس اجتماعات سابقة كانوا يلاحقون بتعليقات الصحافيين الاقتصاديين وتحاصرهم تصريحات السياسيين في الدول المستهلكة .

* خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"