أصبحت الفضيحة المدوية التي تورط فيها نائب مستشار النمسا، هاينز-كريستيان شتراخه، وامرأة واسعة النفوذ، حديث الناس في أوروبا، لأنها كشفت عن طرائق عقد الصفقات السياسية، ودفع الرشى، وشراء الولاءات، والذمم، وهي سياسة يبدو أن اليمين المتطرف الذي ينتمي إليه شتراخه، قد برع فيها، وربما فات الأوان على لجمه قبل أن يحقق أهدافه السياسية.
اللعبة الانتخابية يحركها المال والمصالح قبل أي شيء آخر. وفي أعرق الديمقراطيات، وأقدمها، يوجد فساد ما قبل الاقتراع، وآخر ما بعد إعلان النتائج. وتتجلى أبرز مظاهر الفساد والتزوير في البرامج الانتخابية، حيث يضطر كل حزب، أو مكوّن سياسي يطمع في السلطة إلى إنشاء جهاز لصناعة الكذب الانتخابي يستطيع أن يوفر بضاعة على شكل وعود وتعهدات يمكن تسويقها بين مشاعر الناس، واقتناص أصواتهم بالحيل السياسية. ويمكن القول إن جميع الأحزاب، وزعماءها، ضالعون في هذا الموضوع، ولكن الأمر زاد على حده مع صعود التيارات الشعبوية في أوروبا، والولايات المتحدة، إذ يتضح أن هذه الأحزاب تعمل وفق استراتيجية لا تؤمن بالمحرمات من أجل الوصول إلى الأهداف. وما حدث مع نائب مستشار النمسا المستقيل هو نتيجة لتلك السياسات، وواقعة يفترض أن تثير انتباه الرأي العام والناخبين، لا سيما وأن أوروبا تتجه هذه الأيام لانتخاب برلمانها الاتحادي الذي يطمح الشعبويون إلى اختراقه، وتوسيع كتلتهم داخله. وهذه حقيقة لا ينكرها أحد. ومن أجل مقاومتها، لا تفوت الأحزاب المحافظة، ويمين الوسط، الفرصة من دون مناشدة ناخبيها الاقتراع بقوة في الانتخابات لقطع الطريق على خطر الشعبويين. فقد طالبت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، السياسيين الأوروبيين ب«ضرورة الوقوف في وجه» سياسيي اليمين المتطرّف «الذين يبيعون أنفسهم»، مشيرة إلى أن أوروبا تواجه تيارات تريد تدمير قيمها، إذا لم يتم التصدي لها بحسم، نصرة لقيم التعايش الإنساني، والوسطية، والحوار بين الشعوب والحضارات.
المد الشعبوي الذي يزداد خطورة في أوروبا، يستفيد من الوضع المرتبك في بعض الدول خلال السنوات القليلة الماضية، والتي شهدت تراجعاً للأحزاب الوسطية، وانهيار أحزاب تقليدية، مثلما كان الحال في الانتخابات الفرنسية 2017، وقبلها استفتاء «بريكست» البريطاني. وتبقى الانتخابات الأمريكية، وصعود دونالد ترامب، أكبر العوامل الخارجية المؤثرة في الوضع السياسي الأوروبي. واليوم، تتجه أغلب التوقعات إلى أن اليمين المتطرف سيعزز مواقعه في المستقبل القريب بتحريض من عدد من زعماء الشعبويين الحاكمين في أكثر من بلد. ولهذا السبب احتشدت في ميلانو أحزاب قومية ويمينية متطرفة من شتى أنحاء أوروبا، بقيادة نائب رئيس وزراء إيطاليا ماتيو سالفيني. هناك تعهد الحشد بإعادة تشكيل القارة بعد انتخابات البرلمان الأوروبي. والأنكى من كل ذلك، أن سالفيني قال إن لديه علاجاً جديداً لإصلاح إيطاليا اسمه «علاج ترامب»، وهي عبارة تكفي لإيضاح ما يفكر فيه الشعبويون، ليس في أوروبا فحسب، بل في العالم أجمع.
مفتاح شعيب
مقالات أخرى للكاتب
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
![الخليج](/sites/default/files/2024-07/Untitled-1_1.jpg)
قد يعجبك ايضا
![سرقة لندن](/sites/default/files/2024-07/6195803.jpeg)
![الرئيس التشيلي: البنية التحتية المتقدمة لـ«موانئ دبي» تتسم بالتميّز التشغيلي](/sites/default/files/2024-07/6195793.jpeg)
![أسعار المنازل بأمريكا ترتفع إلى مستوى قياسي جديد في مايو](/sites/default/files/2024-07/6195787.jpeg)
![مطار دبي الدولي](/sites/default/files/2024-07/6195784.jpeg)
![1](/sites/default/files/2024-07/17_2.jpg)
![1](/sites/default/files/2024-07/16_2.jpg)
![مصري يقتل أبناءه الأربعة](/sites/default/files/2024-07/6195741.jpeg)
![الدكتور النعيمي يتحدث إلى الطلبة الجدد](/sites/default/files/2024-07/6195736.jpeg)