نصر لن تصنعه هزيمة «داعش»

02:13 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
خبر جيد، وآخر سيئ، فرضا نفسيهما على أجندة الاجتماع الموسع الذي استضافته واشنطن الأسبوع الماضي للبلدان المشاركة في الائتلاف الدولي لمحاربة «داعش». النبأ السعيد تمثل في المحصلة المشجعة لنتائج الحرب الجارية لاقتلاع التنظيم من العراق وسوريا، والمؤشرات على هزيمته الوشيكة في الموصل والرقة، آخر معقلين كبيرين له. ابتهج الحاضرون بما سمعوه قبل أن تداهمهم حقيقة أخرى تبعث على القلق، وهي أن تدمير «داعش» في المدينتين لا يعني زوال خطر التنظيم، أو اجتثاث نفوذه العابر للحدود والقارات.
منذ 2014 خسر التنظيم سيطرته على 80% من السكان الذين كانوا خاضعين له في العراق، و56% في سوريا. وتم تحرير 50 ألف كم مربع من سيطرته. وبحلول أكتوبر/تشرين الثاني 2016 استعادت القوات العراقية 75% من الموصل، ولن يمضي وقت طويل قبل الاحتفال بتحريرها، ثم تحرير الرقة السورية التي بدأت معركتها بالفعل.
ولكن هل يعنى تحرير المدينتين هزيمة «داعش»؟ السؤال طرحته، وبادرت بالرد عليه جريدة «كريستينان ساينس مونيتور»، موضحة أن ذلك يتوقف على تحديد معنى الهزيمة. فإذا كان المطلوب هو القضاء على كيان «داعش» في المدينتين فسوف يكون هذا انتصاراً بلا شك. أما إذا كان الهدف هو القضاء على التنظيم في العراق وسوريا، وسائر ملاذاته الآمنة في الشرق الأوسط، فإن النصر عندئذ سيكون بعيد المنال.
قبل سنوات قليلة، أعلن الرئيسان الأمريكيان السابقان بوش وأوباما، كل في توقيت مختلف، أن المهمة اكتملت في العراق، بما يعني تحقيق الهدف والانتصار. ثم أكدت الأحداث أن تقديراتهما لم تكن صائبة. ذلك أن الحروب لا تنتهي ببيان رئاسي يتجاهل الحقائق على الأرض، كما أن النصر لا يتحقق بإعلان، وإنما بإنجاز الأهداف. ومن المهم ألا يكرر ترامب هذا الخطأ للمرة الثالثة، وهو ما يمكن أن يحدث إذا اعتبر المهمة اكتملت بتحرير الرقة والموصل. بالتالي يصبح السؤال البديهي هو ماذا عليه أن يفعل بعد تحرير المدينتين؟
يضع الباحثان الأمريكيان هال براندز، وبيتر فيفر، أربعة سيناريوهات للبدائل المتاحة. الأول وهو الأكثر تطرفاً، والأقل احتمالاً، هو أن تنسحب الولايات المتحدة كلياً من مستنقع العنف في الشرق الأوسط. وبالطبع لن يجرؤ ترامب على القيام بتلك الكارثة الاستراتيجية التي تعني تفشي الإرهاب. الخيار الثاني على النقيض، أي تصعيد الحرب والدفع بقوات جديدة لحسم المعركة مرة واحدة ونهائية. وقد تكون النتيجة مغرية، ولكن الثمن سيكون فادحاً، ولا يتحمله الرأي العام الأمريكي بعد أن يشاهد توابيت الجنود العائدة.
السيناريو الثالث يطلق عليه الباحثان اسم التواجد الخفيف، وهو يعيد إنتاج استراتيجية أوباما في الاعتماد على الغارات الجوية ودعم الحلفاء المحليين. حقق هذا السيناريو نتائج طيبة خلال 2014 وتكلفته البشرية والمادية مقبولة، إلا أنه لا يحسم المعركة، وغاية ما ينجزه احتواء التهديد وليس القضاء عليه. أخيراً، الخيار الرابع، ويسميه الباحثان المواجهة المدعمة، أو المعززة بتطوير استراتيجية أوباما عبر زيادة محدودة للقوات وتكثيف الغارات الجوية وعمليات القوات الخاصة، وتطوير قدرات القوات المحلية الحليفة.
والأرجح أن تلجأ الإدارة الأمريكية إلى هذا السيناريو، وإن كان لا يحقق نصراً نهائياً. وأقصى ما سينجزه، كما يقول الكاتبان، هو علاج الأعراض وبقاء المرض، ومع ذلك سيكون هذا مقبولاً مرحلياً.
أما مهمة القضاء على المرض، أي الإرهاب الدولي، فستظل مؤجلة وتحتاج، كما يقول خبير آخر هو جيمس جيفري السفير الأمريكي السابق في بغداد، إلى استراتيجية شاملة، وجريئة لمعالجة الجذور. ولتحقيق ذلك، ولمنع إحياء «داعش» في العراق وسوريا، لابد كما يري السفير، من وجود عسكري أمريكي لفترة طويلة في البلدين لتعويض عجز السلطات المحلية. لا مفر أيضاً من تفاهمات بين واشنطن والقوى الفاعلة، وهي إيران وتركيا وروسيا، مع ضغوط على بلدان المنطقة لتنفيذ إصلاحات سياسية هيكلية. ولا يبدو حتى الآن أن ترامب مستعداً لكل ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"