ضياع فلسطين في الوقت الضائع

05:25 صباحا
قراءة دقيقتين

شعندما كان جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، يكرر منذ أسابيع زياراته بوتيرة غربية عجيبة، لكل من الكيان الصهيوني ورام الله والاردن، حتى بلغت زياراته المكوكية ست زيارات متتالية، لا يفصل بينها سوى أيام معدودة، كان التساؤل المطروح: ما الذي يدفع المسؤول الأمريكي الرفيع الى مثل هذا النشاط غير المعهود في رقعة سياسية ضيقة من المنطقة العربية؟ لكن الجواب الأول ما لبث أن ظهر عندما دخل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في تجديد التفاوض بينهما، بطريقة بدا ان الطرفين قد اُكرها عليها تحت الضغط الأمريكي الملح .

وهنا برز بطبيعة الحال تساؤل جديد: ما سر الظهور المفاجئ لهذا الحماس الأمريكي المفاجئ لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، بعدما طال أهمالها لرغبة الجانب الفلسطيني أكثر من مرة لاستئناف هذه المفاوضات، وهو إهمال امتد في بعض الحالات سنوات طويلة؟

لكن هذا التساؤل الجديد لم يبق معلقاً في الهواء فترة طويلة، لسرعان ما تلبدت الغيوم السوداء في كل المنطقة العربية، عندما ظهرت فجأة الرغبة الأمريكية بالتدخل المباشر في الازمة المتفجرة في سوريا منذ سنتين ونصف . وبعد أن ظهرت النتائج السلبية عربياً لبروز هذه الرغبة الأمريكية، وهي نتائج سلبية انتشرت عربياً وبدأت تأخذ مفعولها، حتى قبل ان تنفذ واشنطن تدخلها المباشر، وتوجه ضربتها الصاروخية التي تهدد بها .

وهنا، ظهر الترابط بين مختلف هذه الاحداث بشكل شديد الوضوح: انه إذاً الظرف الأمريكي المناسب، لاختيار احدى أبرز لحظات التوهان العربي العام، والتخبط العربي العام، خاصة وسط انشغال مصر الكامل بالتعامل مع مفاعيل إزاحة نظام الإخوان المسلمين، لدفع مفاوضات القضية الفلسطينية الى هاوية جديدة، قد تهدد بالمساس هذه المرة مساً مباشراً بالأساس التاريخي لهذه القضية .

إنها، بكلمة أخرى، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أولاً، ثم التحالف الأمريكي - الإسرائيلي الاستراتيجي ثانياً، إحدى أكثر اللحظات مناسبة لمحاولة دفن القضية الفلسطينية مع اقل ما يمكن من الضجيج، ومن احتمالات ردود فعل الشعوب العربية كلها . فالعرب كلهم، رسمياً وشعبياً غارقون في المشكلات الناجمة عن المرحلة الحساسة التي بلغتها الأزمة السورية .

أما على أرض فلسطين التاريخية، فإنها إحدى أكثر اللحظات الأمريكية مناسبة لتمرير أكثر ما يمكن تمريره من عمليات دفن أساسيات القضية الفلسطينية . إنها لحظة وصول الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين الى ذروة سيطرته وقوته وتسلطه، يقابلها فلسطينياً إحدى أشد لحظات الضعف الفلسطيني، موزعاً بين استبعاد المصالحة الفلسطينية من جهة، وانشغال حماس في قطاع غزة لتخليص ما ظهر من مشكلات مع نظام الحكم الجديد، بعد انهيار نظام الإخوان المسلمين من جهة ثانية .

إنها إذاً لحظة من لحظات الوقت العربي الضائع، في أشد صور الضياع، وليس ما هو أنسب من ذلك، أمريكياً وصهيونياً، لإضاعة ما تبقى من الحقائق التاريخية لقضية فلسطين .

هذا السبب هو بالضبط ما دفع وزير الخارجية الأمريكية باتجاه ست زيارات مكوكية متوالية للمنطقة، يتوجها في النهاية بإطلاق مفاوضات مشبوهة بشأن قضية فلسطين، في أسوأ الأوقات الممكنة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"