بأموالهم يغتالون الديمقراطية

02:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

ترى الكاتبة الأمريكية الراحلة بيتي سميث أن الفارق بين الفقراء والأغنياء هو أن الأولين يفعلون كل شيء بأيديهم، أما الأثرياء فيستأجرون من يؤدي لهم أعمالهم. لم تكن سميث تتحدث عن المرشحين السياسيين، والمليونيرات الذين يمولون حملاتهم الانتخابية. ولكن يبدو رأيها أدق ما يكون لوصف العلاقة بين الطرفين.
المال هو وقود الحياة السياسية الأمريكية. يقدمه المليونيرات في صورة تبرعات يتلقاها السياسيون وحلفاؤهم لتمويل حملاتهم الانتخابية. يحدث هذا على كل المستويات، بدءاً من الانتخابات الرئاسية مروراً بالكونغرس وحكام الولايات، وصولاً إلى المجالس التشريعية والإدارية في أصغر قرية أمريكية.
لا يلقي الأغنياء أموالهم هباء، ولا يقدمونها بلا مقابل. وعندما سألوا الملياردير بيرنارد شوارتز قطب الاتصالات عن المقابل الذي سيحصل عليه لقاء المليون دولار الذي تبرع به لحملة هيلاري كلينتون، قال إنه لا يود أن يملي على السياسيين ما يفعلونه، ولكن يريد أن يستمعوا إليه عندما تكون لديه مشكلة.
وبالطبع فإن المليون دولار الذي دفعه يضمن له ما هو أكثر من مجرد الاستماع لصوته. ليس شوارتز وحده من يحرص على مد الجسور مع السياسيين، فكل من يدفع يحقق نفس الهدف.
ولجامعة هارفارد دراسة عن تأثير المال السياسي من خلال حالة محددة هي الأخَوان كوتش أي أكبر أسرة أمريكية تساهم في تمويل الحملات السياسية وتذهب أموالها للجمهوريين. غير أن آل كوتش يساندون هيلاري هذه الدورة، مع استمرار دعمهم للجمهوريين في الكونغرس. توضح الدراسة أن الجمهوريين أبدوا قدراً مدهشاً من العرفان بالجميل والولاء للمنظمات التي تحصل على تبرعات آل كوتش وتموّل بها الحملات الانتخابية بعد ذلك. وتبين الدراسة أنهم صوتوا على النحو الذي طلبته منهم تلك المنظمات بنسبة 88% من المرات العام الماضي، وبنسبة 73% عام 2007.
وكما أن للمتبرعين الكبار مصالح اقتصادية، فلهم أيضاً أهداف سياسية. وتكشف التسريبات عن تدخلات مباشرة لفرض توجهات معينة على هيلاري كلينتون قام بها الملياردير اليهودي حاييم سابان (ويكتب أحياناً صابان). ويعد سابان ثالث أكبر متبرع لحملة هيلاري وقدم لها 11.9 مليون دولار، ومعها أو ربما مقابلها، مجموعة من التوصيات أهمها الابتعاد عن سياسة أوباما بشأن «إسرائيل» بل انتقادها. وإظهار التزام قوي بأمن الدولة العبرية والتنديد بالمقاطعة. مثال آخر جسده موقف اتحاد خدمات الموظفين الذي قدم لهيلاري مليون دولار بعد تأييدها مطلبه برفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولاراً.
وفي الكثير من الحالات تكون هناك دوافع مريبة أو غير بريئة وراء التبرعات. وخلال الأسبوع الماضي على سبيل المثال فتح مكتب المدعي العام في لوس أنجلوس تحقيقاً حول تبرعات انتخابية من أطراف لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بمشروع إسكاني مثير للجدل بقيمة 72 مليون دولار.
يفسر كل ذلك لماذا تتعالى الأصوات المنددة بالمال السياسي والتي تعتبر أنه أفسد النظام السياسي وفرّغ الديمقراطية من مضمونها كنظام لحكم الشعب عبر الشعب. ذلك أن الوضع القائم عملياً هو حكم الشعب من خلال الأقلية الثرية وأصحاب المصالح. وهؤلاء في الواقع هم من يتخذون القرارات ويضعون السياسات. وينوب عنهم في هذه المهمة الثقيلة السياسيون المنتخبون بأموال هؤلاء السادة.
هذا الاتهام ليس كلاماً مرسلاً فقد أكدته دراسة نشرتها «سي. إن. إن» حللت فيها كيفية معالجة 1779 قضية عامة في العشرين عاماً الأخيرة. وتبين أن تأثير الأغنياء في السياسات الحكومية أكثر بكثير من الناخبين الذين لا يكاد يكون لهم تأثير إذا اختلفت مواقفهم إزاء قضية معينة مع مواقف أصحاب المصالح. ويجعل النظام السياسي كما تقول الدراسة بمقدور الأغنياء عرقلة أو تعطيل أي قرار لا يرضون عنه. وتضيف أن تأثير هذه القلة على الكونغرس فيما يتعلق بقضية الضرائب مثلا أقوى ب 15 مرة من تأثير المواطن العادي أي الناخب.
ولكن، من هي هذه القلة تحديداً؟ يجيب عن هذا السؤال الباحث الاقتصادي بول كرايج مساعد وزير الخزانة السابق الذي يعتبر أن أصحاب المصالح وهم كبار الممولين للانتخابات ينتمون إلى ست جماعات رئيسية هي: وول ستريت والبنوك الكبرى، مجتمع الصناعات العسكرية، المحافظون الجدد، الشركات العملاقة العابرة للحدود، تكتل الصناعات الزراعية، صناعات التعدين والطاقة، وأخيراً اللوبي اليهودي.
هؤلاء هم الحكام الحقيقيون للولايات المتحدة، أما المسؤولون المنتخبون بمن فيهم الرؤساء والمشرعون فهم أدوات لتنفيذ سياسات هذه الكيانات العملاقة والحفاظ على مصالحها. دعك من الناخبين فهم مجرد شهود على جريمة اغتيال الديمقراطية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"