هزلية الحرب على تمويل الإرهاب

04:49 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق
من حيث يفترض أن تنتهي، بدأت الدراسة القيمة التي نشرتها مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في عددها الأخير حول مكافحة تمويل النشاط الإرهابي في العالم. الخلاصة التي استهلت بها المجلة العريقة دراستها هي أن الحرب على تمويل الإرهاب فشلت، وعلى المجتمع الدولي التوقف عن الإجراءات العقيمة التي يتبعها منذ 15 عاماً لتعقب الأموال المشبوهة. حان وقت البحث عن استراتيجية جديدة أكثر فاعلية.
يبرهن معد الدراسة بيتر نيومان الخبير الألماني في دراسات الإرهاب والعنف السياسي والأستاذ في كلية كينج كوليدج في لندن، على صدق ما توصل إليه، بالإشارة إلى أن المنظمات الإرهابية أصبحت أكثر ثراءً وعدداً منذ أن بدأت الحرب العالمية على الإرهاب عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
سبب الفشل الأمني الفادح والفاضح يرجع في الأساس لطريقة تفكير الغرب ومنهجه في تعقب الأموال المشبوهة. ولتقديم نموذج لهذا التفكير يروي الكاتب ما جرى في الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن بعد الهجمات التي شهدتها باريس في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي وأوقعت 130 قتيلا. في الجلسة المخصصة لبحث التصدي لتمويل الإرهاب تحدث وزير المالية الفرنسي ميشيل سابين الذي عدد مصادر تمويل «داعش» وهي تهريب النفط والآثار والاتجار بالبشر والابتزاز. وبدلاً من أن يطرح أفكاراً لمنع هذه الأنشطة الإجرامية باعتبارها مصدر تمويل التنظيم، دعا الوزير إلى تجميد الأصول المالية للإرهابيين، والتشدد في مراقبة التحويلات المصرفية، وتطوير الاستخبارات المالية. أي أنه ترك أصل الداء وانشغل بالأعراض.
هذا التوجه التقليدي السائد لدى الغرب في التعامل مع المشكلة غير فعال لسببين: الأول أنه من المستحيل العثور على أرصدة بنكية بأسماء الإرهابيين المعروفين. الثاني أن جزءاً كبيراً من الأموال الإرهابية لا يدخل في النظام المصرفي العالمي أو النظام الرسمي المحلي. فضلاً عن أن المعاملات المالية القانونية في الدول النامية التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية تتم نقداً بعيداً عن البنوك، وبالتالي لا يمكن مراقبتها.
يرتكب الغرب خطأ آخر في معركته ضد تمويل الإرهاب بافتراضه وجود مجموعة أدوات مالية محددة تستخدمها كل المنظمات الإرهابية. وهي فكرة مضللة لأن لكل جماعة أدواتها المالية وأساليبها في جمع ثروتها. وبصفة عامة يستفيد الإرهابيون من شبكة الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية التي تكون قائمة بالفعل في مناطق تواجدهم. وعلى سبيل المثال تستفيد حركة الشباب الصومالية من تهريب العاج وهو نشاط قائم في شرق إفريقيا عموما. بينما تنشط في الغرب الإفريقي عمليات تهريب الماس. أما في الساحل فيعمل المهربون على نقل السجائر والبضائع الاستهلاكية. ويعتبر النفط السلعة الأساسية للمهربين في العراق وسوريا. كل تلك الأنشطة غير الشرعية قائمة بالفعل حتى قبل ظهور المنظمات الإرهابية في نفس المناطق. ولم يفعل الإرهابيون أكثر من الاستفادة من وجودها.
يزيد من صعوبة تعقب الأموال الإرهابية أن بعض الجماعات تكون مصنفة إرهابية في دول بينما هي شرعية تماماً ومعترف بها في دول أخرى، وبالتالي تتمتع بحرية كاملة في الاستثمار ونقل الأموال. وعلى سبيل المثال فإن منظمة الجيش الجمهوري الإيرلندي التي اعتبرتها لندن إرهابية كانت لها فنادق وسيارات أجرة تدفع عنها الضرائب.
ليس من الغريب بعد ذلك وجود ثروات طائلة تحت تصرف جماعات إرهابية مثل «داعش» الذي بلغت ثروته نحو 1,7 مليار دولار عام 2014 وفقاً لتقدير كلية كينج كوليدج البريطانية. وللتدليل على عدم فاعلية إجراءات مطاردة الأموال الإرهابية تذكر الدراسة أنه في ذلك العام لم يتجاوز حجم الأموال المصادرة 60 مليون دولار. في نفس السياق سجلت ثروة «داعش» هبوطاً حاداً بانخفاضها لأقل من مليار دولار في 2016 ليس بفضل إجراءات الرقابة المالية ولكن نتيجة للغارات الأمريكية على منشآت النفط والمصارف التابعة لها.
المعلومة الوحيدة التي تشفع للحكومات هي أن العمليات الإرهابية باتت منخفضة التكلفة. ويكفي تأجير شاحنة لدهس عشرات الأبرياء. وهي جريمة لا تتكلف سوى مبلغ زهيد للغاية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"