شفاعة الرسول لمرتكبي الكبائر

02:24 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

من المعلوم عند علماء السنة أن العفو عن الكبائر بحسب نوع الكبيرة، فما فيه حق الله كشرب الخمر فأمره مفوَّض إلى الله في الآخرة إن شاء غفر وعفا وإن شاء عاقب، هذا إذا لم يتب العبد حتى مات.
وما كان فيه حق الله وللعبد كالسرقة ،فللمسروق منه حق العفو عن السارق إذا لم يبلغ القضاء وإلا وجب عليه الحد ولا تصح الشفاعة، علماً بأن إقامة الحد وحدها ليست كفارة على رأي الجمهور، فلابد من التوبة قبل أن يموت.
وقال بعضهم كمجاهد بأن إقامة الحد كفارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له».
ويقول العلماء بأن تبرئة الذمة في الحقوق المالية بردها أو طلب أن يجعله في حلّ منها واجب طالما هو حيّ في الدنيا، (انظر جواهر العقود للمنهاجي ج ٢ ص ٤٣٧، وانظر البيان والتحصيل لابن رشد ج ١٠ ص ١٤٩).
ويقول الكرمي: وفي الحقوق غير المالية مثل القذف والغيبة إذا تاب منها فلا يشترط لصحة توبته إعلام الشخص بما صدر منه في حقه، أو طلب أن يجعله في حلّ منه، بل يجب عدم إخباره درءاً للفتنة (انظر عناية المنتهى للكرمي ج ٣ ص ٤٧٤).
وعند جمهور الفقهاء أن من ارتكب معصية كالقذف مثلاً ثم تاب بعد الحد أو قبله فإنه تعود إليه عدالته فتقبل شهادته، لأن الله تعالى يقول: «ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا» (الآية ٤ من سورة النور).
وجمهور الفقهاء على أن الصغائر تكفّر إذا اجتنبت الكبائر، لأن الله تعالى يقول: «إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً». (الآية رقم ٣١ من سورة النساء)
وفي الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». (راوه مسلم)
أما علماء أصول الفقه على ما ورد في الآية والحديث فيقولون: محمَّل على قوة الرجاء، وإلا فإنه لا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر.
ويقولون إننا لو سلّمنا بأن الصغائر تكفّر باجتناب الكبائر فإننا نفتح أمام الناس باب مباحات كثيرة ونجعل مرتكبها في أمان من العقوبة، وكيف نقول بهذا والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة»، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيباً من أراك» (رواه مسلم).
قال القرطبي: «إن الله يغفر الصغائر باجتناب الكبائر لكن بضميمة أخرى إلى الاجتناب وهي إقامة الفرائض» (انظر تفسير القرطبي ج ٥ ص ١٥٨، وانظر فتح الباري ج ١٠ ص ٤٢٣، وانظر البحر المحيط للزركشي ج ٤ ص ٢٧٨).
وبقي أن نعرف أن للنبي صلى الله عليه وسلم عدة شفاعات خاصة يوم القيامة خاصة به، منها شفاعته لأهل الكبائر استوجبوا النار بأعمالهم، فيشفع الرسول لهم فلا يدخلونها.
ويقول أبو الحسن الأشعري: أجمع المسلمون أن للرسول شفاعة وهي للمذنبين المرتكبين للكبائر، انظر الإبانة للأشعري ص ٢٩٤.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"