تركيا والتهديد باجتياح شرق الفرات

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمد نورالدين

في وقت خطفت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق ولقاؤه مع الرئيس السوري بشار الأسد الأنظار، وطرحت تساؤلات كثيرة عن هدف الزيارة، وتداعياتها، كان تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلو باجتياح مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق الفرات الممتدة من مدينة عين العرب/ كوباني إلى الحدود العراقية.
التهديد التركي لمناطق الأكراد في سوريا ليس جديداً، وهو جزء من استراتيجية تركية لما تسميه «تنظيف» تلك المنطقة من وجود «إرهابي» يهدد أمنها القومي. وقد بادرت إلى القيام بأكثر من عملية ضد هذا الوجود في مناطق مثلث جرابلس - إعزاز- الباب، ومن ثم في عفرين. والقوات التركية موجودة بقوة في منطقة إدلب مع عشرات الآلاف من المسلحين الموالين لها بشكل، أو بآخر.
وتريد تركيا من وراء التهديد بهذه العملية في مناطق شرق الفرات تحقيق أهداف عدة:
1- الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية الموجودة في مناطق شرق الفرات لفك العلاقة التحالفية بين واشنطن والأكراد، وتسليم الداعية المعارض فتح الله غولين الموجود في الولايات المتحدة، والمتهم بالوقوف وراء انقلاب 18 يوليو/ تموز 2016. وذلك بعدما فشلت أنقرة حتى الآن في استثمار مقتل الصحفي جمال الخاشقجي لتحصيل مكاسب من الولايات المتحدة.
2- توسيع دائرة النفوذ الميداني لتركيا في سوريا عبر احتلال أراض جديدة يكون ورقة قوة إضافية في مفاوضات الحل النهائي، خصوصاً مع اقتراب مساعي تشكيل اللجنة الدستورية إلى خواتيمها.
3- حرف النظر بعملية عسكرية في مكان آخر عن ملف إدلب الذي تريد تركيا أن تؤجل الحسم فيه قدر الإمكان، ومنع حصول تطورات دراماتيكية تطيح بالسيطرة التركية هناك والتي استمرت حتى الآن بفضل الحسابات الروسية التي تتجاوز الساحة السورية.
4- تحقيق إنجاز عسكري في شمال الفرات عشية الانتخابات البلدية التركية التي ستجري في نهاية شهر مارس/ آذار 2019. وقد اعتاد الرئيس التركي على توقيت العمليات العسكرية من درع الفرات، إلى عفرين، إلى الحملات العسكرية ضد مناطق جنوب شرق تركيا الكردية، عشية اكثر من استحقاقات. وتبرز أهمية الانتخابات البلدية بأنها أصبحت محور الصراع السياسي الداخلي بعدما لم يعد للبرلمان أهمية كبيرة بعد تعديل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي.
5- القضم التدريجي للأراضي سواء في سوريا، أو العراق، في إطار احتلال الأراضي التي كانت ضمن حدود الميثاق الملّي التركي عام 1920 والتي يذكّر بها أردوغان على الدوام. حتى إذا لم تنجح تركيا في ضم هذه الأراضي مباشرة فعلى الأقل إقامة منطقة شريط حدودي داخل سوريا يكون تحت تأثيرها، ونفوذها.
لكن التهديد التركي لاجتياح شرق الفرات يختلف هذه المرة عن عمليتي درع الفرات وعفرين. ففي شرق الفرات توجد قوات أمريكية متحالفة مع قوات سوريا الديموقراطية، فيما لم يكن هناك مثل هذا التواجد في مناطق درع الفرات وعفرين. وبالتالي، فإن القوات التركية ستدخل إلى مناطق تكون فيها وجهاً لوجه مع القوات الأمريكية.
وهذا العامل له حساباته المختلفة. ونسجل هنا الملاحظات التالية:
1- إن تركيا لا يمكن أن تقوم بأي عملية عسكرية في شرق الفرات، أو حيث هناك تواجد عسكري أمريكي من دون موافقة واشنطن.
2- إن الصدام العسكري بين الأمريكيين والأتراك غير وارد لكونهما عضوين في حلف شمال الأطلسي، وليس من سابقة حرب بين عضوين في الأطلسي.
3- إن الولايات المتحدة نفسها لا ترغب في حرب مع تركيا التي لا يزال دورها ووظيفتها حاجة ماسة للمصالح الأطلسية، ولا سيما قاعدة إينجيرليك من الشرق الأوسط، إلى القوقاز، وأفغانستان، وروسيا، وإيران.
4- وفي حال كانت أمريكا أمام خيار حتمي بين اثنين فهي مستعدة في أي لحظة للتخلي عن الأكراد لمصلحة بقاء العلاقة الاستراتيجية مع تركيا.
لذلك، فإن الضغوط التركية على أمريكا، ورغبة أردوغان في تحقيق إنجاز ما، قد يفضي إلى توافق تركي - أمريكي لدخول القوات التركية مناطق يتواجد فيها الأكراد، ولا تتواجد فيها مباشرة قوات أمريكية. وتتصدر في هذا المجال منطقة سنجار العراقية على الحدود السورية، لتكون مسرح العمليات العسكرية التركية. كذلك يمكن للقوات التركية أن تدخل بعض مناطق شرق الفرات على الحدود التركية، حيث لا تتواجد قوات أمريكية. ولا يبدو نموذج منبج للدوريات المشتركة التركية - الأمريكية بعيداً عن التكرار في بعض مناطق شرق الفرات، إذا استدعت الحاجة ذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"