المصالحة الضرورية.. المؤجلة

00:24 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد نورالدين

تسارعت في الفترة الأخيرة، مواقف مختلف الأطراف حول احتمال المصالحة بين تركيا وبين سوريا بطريقة أوحت أن فرصها قد تكون هذه المرة أكبر من سابقاتها قبل أكثر من عام.

ومنطلق الاحتمالات القوية كانت في زيارة ألكسندر لافرنتييف مندوب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق في أواخر حزيران/يونيو الماضي، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد. وأهمية الزيارة ناتجة عن ثلاثة إشارات: أنها جاءت مباشرة بعد لقاء بوتين مع وزير الخارجية التركي حاقان فيدان في موسكو. وجاءت بعد تصريح لافرنتييف أن الظروف الحالية هي الأنسب لتحقيق المصالحة. والثالثة والأهم أن الأسد قد أطلق بعد اللقاء مواقف اعتبرها البعض إيجابية وهي أن سوريا منفتحة على أية مبادرات «إيجابية وبناءة» في إطار احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها ومحاربة التنظيمات الإرهابية كافة.

ولم تمض أربع وعشرون ساعة حتى كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يطلق موقفاً مثيراً وهو استعداده للقاء الأسد وبصورة عائلية أيضاً كما كان يحدث في الماضي، وأنه ليس من سبب يدعو إلى عدم عودة العلاقات الدبلوماسية.

وتكررت الإشارات التركية من جانب أردوغان شخصياً ومنها أنه قد يوجه دعوة إلى بوتين والأسد لزيارة تركيا، ومن ثم أعلن أن المكان ليس مهماً؛ إذ يمكن أن يلتقي بالأسد في تركيا أو موسكو أو أي مكان آخر. وهنا تقفز إلى البال بغداد نظراً لأن رئيس الوزراء العراقي كان أول من تحدث عن مبادرة مصالحة.

تكاثرت الأسئلة عمّا استجد من تطورات تضغط على الأطراف المعنية لكي تتحرك فجأة مثل هذه المبادرات وتتوالى هذه المواقف.

البعض كان يقول إن روسيا هي المحركة والتي تقف وراء كل هذا الزخم؛ إذ إنها تخشى من انفجار حرب انطلاقاً من لبنان وتصل إلى سوريا لتتحول إلى شرارة حرب عالمية. وأن روسيا تريد استباق أي حرب في المنطقة لا تكون هي مستعدة لها وأنها تريد بالتالي ترتيب أوضاع حلفائها بما يطوق مسبقاً أي تداعيات سلبية، لمثل هذه الحرب، على روسيا. ومن هذه الخطوات إجراء مصالحة بين تركيا وسوريا. وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى إحراج الولايات المتحدة ودفعها إلى إخراج قواتها من سوريا فتربح روسيا وتركيا وسوريا ومعهم إيران.

لكن السؤال، هل هناك فعلاً نذر حرب عالمية جدية انطلاقاً من الشرق الأوسط، خصوصاً أن إسرائيل والولايات المتحدة يسرحان ويمرحان في غزة منذ تسعة أشهر من دون أن تتجرأ موسكو أو بكين الدولتان المفترض أن تكونا بمواجهة الولايات المتحدة على فعل أي شيء؟ وهل المصلحة الروسية الخاصة في المصالحة بين تركيا وسوريا تلبي في الوقت نفسه مصالح الأخيرتين؟

المعروف أن جهوداً روسية وإيرانية كبيرة جداً بذلت للمصالحة بين تركيا وسوريا بين أول آب/أغسطس 2022 ومنتصف أيار/مايو 2023. وانعقدت حتى اجتماعات متكررة على مستوى وزراء دفاع هذه الدول ومن ثم اجتماع وزراء الخارجية في العاشر من أيار/مايو 2023 قبل أربعة أيام فقط من انتخابات الرئاسة التركية التي فاز بها أردوغان.

فشلت جهود التطبيع بين البلدين لسببين. الأول أن سوريا كانت طلبت من تركيا تعهداً رسمياً وربما مكتوباً أن تُظهر تركيا استعداداً للانسحاب من سوريا ولو على مراحل قبل أي لقاء على مستوى الرئيسين أردوغان، والأسد، لأنه من غير الطبيعي أن يجتمع الأسد مع رئيس دولة يحتل جيشها أجزاء من أرضه.

والسبب الثاني، أن الرئيس التركي لم يتجاوب مع الطلب السوري لسببين. أنه كان يريد من اللقاء مع الأسد مجرد «صورة» يوظفها في الانتخابات الرئاسية التركية، والثاني أنه لا يريد الانسحاب من سوريا لأهداف مختلفة. ولذا فشلت المحاولة. وعندما فاز أردوغان بالرئاسة دخلت جهود المصالحة «كهف» النسيان وغابت إلى أن خرجت تحركات جديدة كما اسلفنا خلال حزيران/يونيو الماضي.

تكررت دعوات أردوغان للقاء الأسد، لكن سوريا بعد موقف الأسد إثر لقائه لافرنتييف، التزمت الصمت أكثر من أسبوعين قبل أن تُصدر وزارة الخارجية السورية بياناً وضع، بتقديرنا، النقاط على حروف العلاقة بين تركيا وسوريا. وهو أن هناك جيش احتلال تركي يتوجب أن ينسحب أو يبدي استعداداً للانسحاب وفق جدول زمني قبل أي لقاء بين الأسد وأردوغان، وأن الوضع يجب أن يعود إلى ما قبل عام 2011 تاريخ بداية الأحداث في سوريا وتدخل تركيا فيها.

كان واضحاً من البيان السوري أن جهود المصالحة لم تبدأ بصورة صحيحة من الأساس. وأن تركيا لم تتعهد بأي شيء مسبق. لماذا؟ برأينا أنه بخلاف ما يشاع، فإن تركيا تريد من أي مصالحة مع سوريا فقط تصفية القوات الكردية في شرق الفرات وهي تعرف أن هذا غير ممكن في ظل وجود الولايات المتحدة. وبالتالي ليس من سبب يضغط على تركيا للانسحاب. فروسيا منشغلة بأوكرانيا وإيران بالوضع في فلسطين والمنطقة.

وقد استكمل الرئيس السوري المواقف الفعلية بالقول يوم الاثنين الماضي، «إن على أردوغان أن يقدم ضمناً تعهدات علنية بالانسحاب من سوريا».. وهو الأمر الذي لا يتوقع أن يقدم عليه أردوغان، ويدفع المراقب للقول إن جهود المصالحة أصيبت، مرة أخرى، بالسكتة الدماغية وتحتاج إلى تطورات كبيرة وخطِرة تعدل من موازين القوى الحالية التي تصب في مصلحة تركيا والولايات المتحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4pmmsusv

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"