عام الحسم الديمقراطي في مصر

05:14 صباحا
قراءة 5 دقائق

أتفق مع الذين يقولون إن عام 2010 عامٌ كاشف بالنسبة لقضية الديمقراطية في مصر، ففيه سوف تجرى الانتخابات البرلمانية بطريقتها التقليدية الفردية كذلك فإن ما نص عليه التعديل الدستوري من تمكينٍ للمرأة في المؤسسات النيابية سوف يؤدي إلى تطبيق التشريع الذي أصدره مجلس الشعب بتخصيص 64 مقعداً للمرأة المصرية تمثيلاً لمحافظات مصر المختلفة، وهو العام ذاته الذي تشهد فيه مصر أيضاً انتخابات التجديد لأعضاء مجلس الشورى، ويكون ذلك كله استعداداً للانتخابات الرئاسية عام 2011. من هنا تنبع أهمية عام 2010 وخطورة أحداثه لأنها لن تكون فقط كاشفةً للحالة الديمقراطية ولكنها قد تكون منشئة لتقاليد سياسية جديدة يمكن أن تؤشر بتغيير المناخ العام والبيئة السياسية في مصر، وأستند في ما أقول إلى الأسباب الآتية:

* أولاً: إن الانتخابات النيابية عام 2005 قد أثارت من الصخب والضجيج أكثر مما أثارت من الرضا والارتياح، وكانت مفاجأة دخول ثمانية وثمانين عضواً من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانونياً والموجودة فعلياً بمثابة مفاجأة للمسرح السياسي كله، وقد تفرغ الحزب الوطني قبل تلك الانتخابات لمواجهة الأحزاب السياسية الرسمية الأخرى فتسربت عناصر الإخوان إلى مقاعد المجلس انطلاقاً من الشارع السياسي الذي أعطاها أصواتاً هي ليست لها بقدر ما هي أصوات عقابية للقوى السياسية الأخرى، ولقد حصد الإخوان باستخدام الشعارات الدينية والعاطفة الروحية ما كان خصماً من الحزب الحاكم وغيره من القوى السياسية الأخرى على ساحة الوطن.

* ثانياً: جرت انتخابات عامي 2000 و2005 في ظل الإشراف القضائي الكامل وهو إجراءٌ مثالي، بينما أدت التعديلات الدستورية عام 2007 إلى الإشراف القضائي على مستوى اللجان العامة فقط، بالعودة إلى ما كان معمولاً به من قبل، إذ إن الإشراف القضائي الكامل من الناحية العملية كاد يصيب المؤسسة القضائية ذاتها بنوعٍ من الاضطراب، ويؤدي إلى تسييس بعض عناصرها والانصراف عن المهمة الأساسية لخدمة العدالة وغاياتها السامية، كما أن الإشراف القضائي لم يمنع الاتهامات المتبادلة بالتزوير في الانتخابات، وكان التراشق أحياناً بين قضاةٍ في جانب وقضاةٍ في جانبٍ آخر، وهو أمرٌ بالغ الخطورة شديد الحساسية، كما أننا لا نعرف نظام الإشراف القضائي الكامل إلا في حالاتٍ نادرة لبعض الدول، ولكن العبرة في النهاية ليست في الإشراف القضائي من عدمه، ولكنها بحجم النزاهة وقدر الشفافية وتمسك المشرفين على العملية الانتخابية برسالة الديمقراطية وشرف الانتماء للوطن من دون الاستجابة للضغوط أو الانصياع للأهواء.

* ثالثاً: أزعم أننا مقبلون في السنوات القليلة القادمة على تحولاتٍ دستورية وسياسية، قد يتشكل بها تصورنا للمستقبل وتتحدد معها خريطة ما هو قادم، لذلك فإن الأهمية التي نوليها للحراك الديمقراطي المنتظر سوف تكون هي بيت القصيد في تحديد المسار المصري لسنوات وربما لعقودٍ قادمة خصوصاً أن البشر زائلون والوطن هو الباقي.

* رابعاً: إن عمليات التصعيد الإعلامي والتسخين المبكر للانتخابات النيابية القادمة توحي بحالةٍ من التربص بين قوى الحكم والمعارضة وتعطي انطباعاً مبدئياً بأن الأجواء السياسية ليست نقية، كما يبدو في الظاهر، لأن هناك نيراناً تحت الرماد مصحوبة بحالة من الاحتقان المتزايد، وكلها ناجمة عن حالة الانفصام بين ما يجري على أرض الوطن وبين ما يتداوله الخاصة، بل والعامة في منتديات السمر وثرثرات المساء.

* خامساً: أدعي مخلصاً أننا أمام فرصةٍ نادرة للتحول نحو الأفضل وارتياد طريقٍ عصري يسعى لبناء الدولة الحديثة، على أسس المواطنة الكاملة والشراكة المتكافئة وفتح الجسور بين القوى الليبرالية بعيداً عن تيارات الفساد أو غول التطرف. فلقد آن الأوان لكي نعيد النظر في كل ما حولنا وأن نعترف بأخطائنا وأن ندرس أسباب القصور والتخلف واللامبالاة وغياب الشعور بالانتماء في حياتنا الراهنة.

* سادساً: إن حجم الضغوط الخارجية التي تستهدف مصر ومحاولات استغلال ظروفها الحالية لهز صورتها أو النيل من مكانتها على المستويات القومية والإقليمية والدولية، كلها مؤشراتٌ تدعو إلى اليقظة وتوظيف إمكانات الوطن لخدمة صورته الحقيقية، وإبراز وزنه التاريخي الذي لا يختلف عليه اثنان، ولعل انتخابات اليونسكو الأخيرة كانت مؤشراً لا تخطئه العين لمحاولات تهميش مصر برغم دورها التاريخي ووزنها الثقافي وقيمتها الحضارية.

* سابعاً: أظن وليس كل الظن إثم أن الأشقاء العرب والإخوة الأفارقة ليسوا جميعاً على قلب رجلٍ واحد تجاه مصر، فقد نالت منهم الضغوط الخارجية وأثرت فيهم السيطرة الأجنبية، ولم يعد بعضهم ينظر إلى مصر كعبة قومية أو مناراً عروبياً أو ملتقى إفريقياً، لقد تبعثر القوم، وتكسرت بعض المصابيح، وتحول العرس القومي إلى شتاتٍ، يضرب بغير هدف ويسعى دون تحقيق مصلحة، لقد هانت ذاتنا في عيوننا نتيجة موجات الإحباط وجلد الذات فكان طبيعياً أن نهون أيضاً في أعين الآخرين.

* ثامناً: لقد لعبت مصر دورها الإقليمي والقومي من منظور الدولة القوية، التي تقدم لأشقائها فكرة القطر النموذج، ولكن ذلك لم يعد قائماً الآن فلقد شب الصغار عن الطوق وسعى الجميع إلى المزاحمة بغير استثناء، وأصبحنا نواجه أحياناً درجةً من الغيرة الممتزجة بالشفقة والقائمة على تصورٍ مرحليٍ خاطئ يحاول أن يسلب من مصر دوراً هو لها، وأن يعطي لغيرها مكانة لا تستحقها. فالدور ليس معطاة زمنية، ولكنه تزاوج بين الجغرافيا والتاريخ وانطلاقٌ من شعلة التنوير، التي يحملها من يستطيع أن يعي مفردات العصر وأن يخاطب المستقبل، ولكن هناك أيضاً من يعرفون قدر مصر وتبهرهم حرية الصحافة فيها ويتابعون بدقة الحراك السياسي والثقافي والاجتماعي فيها وينتظرون لحظة المخاض التي لا تبدو بعيدة.

* تاسعاً: إن مصر دولة عريقة عرفت المؤسسات مع بدايات القرن التاسع عشر وتعاملت مع العالم الخارجي منذ فجر التاريخ وتبادلت الأخذ والعطاء مع كل الحضارات التالية لمصر القديمة، لذلك فهي ليست دولة طفلة تحبو وليست كياناً عابراً على خريطة الدنيا. فنحن نعرف دولاً بعضها عربي اختفت من خريطة الوجود لفترات ثم عادت لتختفي من جديد ولتظهر في النهاية مع موجة التحرر الوطني التي أشعلت مصر الناصرية فتيلها، ثم حاولت مصر السادات تقويمها، حتى جاء مبارك في ظل ظروفٍ صعبةٍ للغاية، محاولاً إحداث التوازن بين طرفي المعادلة العربية المصرية.

ذلك طرحٌ أشبه ما يكون بمحاولة التفكير بصوتٍ عالٍ، نريد منه أن نستجمع القوى الوطنية المختلفة على كلمة سواء، إذ إن المهم في النهاية هو إرساء التقاليد الديمقراطية الراسخة والابتعاد عن الشخصانية المقيتة، والاعتراف بالقوى المختلفة في الشارع السياسي، مادامت تلك القوى تسلك طريق الشرعية الدستورية، وتمتنع عن الديماغوجية السياسية واستغلال المشاعر ودغدغة العواطف واللعب بالشعارات، وليتذكر الجميع أن مصر أكبر وأعظم وأخلد مما يتصورون، ولندرك مرةً أخرى أن الأفراد زائلون ويبقى الوطن وحده رافعاً راياته منشداً أهازيجه، مهما توالت الخطوب وتزاحمت التحديات وتكاثر الشامتون.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"