خيارات أوبك المحدودة

01:49 صباحا
قراءة 4 دقائق

حسناً فعلت منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) بقرارها في مارس/ آذار 2009 في فيينا الابقاء على سقف انتاجها دون تغيير انتظارا لاجتماع قادم في مايو/ آيار المقبل . اذ ان قرارا محتملا بخفض الانتاج مجددا لم يكن مضمونا ان يؤثر كثيرا في سوق الطاقة، خاصة ان التخفيضات الاخيرة لم تؤد سوى ربما الى وقف تراجع الاسعار بشكل اكبر . وظل المعدل السعري المتوسط عند 40 دولارا للبرميل في الربع الاول من العام الجاري .

في الربع الاخير من العام الماضي قررت أوبك عدة تخفيضات في سقف انتاج دول المنظمة باجمالي 2 .4 مليون برميل يوميا ليصبح سقف انتاج المنظمة الرسمي 85 .24 مليون برميل يوميا . الا ان التزام الدول الاعضاء بخفض الانتاج لم يكن جيدا، حسب أرقام وكالة الطاقة الدولية وغيرها استنادا الى بيانات الشحن والتفريغ ومعلومات شركات النقل والتأمين . فخلال شهر يناير/ كانون الثاني لم يزد الالتزام بالحصص على 60 في المائة وان تحسن الالتزام الى نحو 80 في المائة قبل شهر .

وقدرت وكالة الطاقة الدولية التجاوز في انتاج دول أوبك لحصص الخفض الاخيرة وصل الى 8 .1 مليون برميل يوميا في يناير، فيما قدر مسح لوكالة رويترز تجاوز الحصص بنحو 780 الف برميل يوميا . وفيما وصل انتاج السعودية الى نحو 8 ملايين برميل يوميا، اي ما يتفق الى حد كبير مع سقف الانتاج الأخير لاوبك، لم تلتزم اي من الدول الأعضاء الاخرى بسقف الانتاج الجديد بشكل كامل . وحسب ارقام وكالة الطاقة الدولية فان انتاج ايران في يناير/ كانون الثاني كان عند 8 .3 مليون برميل يوميا، بزيادة 460 الف برميل يومياً عن سقف الانتاج المخفض . كما تتجاوز انجولا والكويت حصة الانتاج بنحو ربع مليون برميل يوميا .

وجدت أوبك إذاً انه لا تزال هناك فرصة لمزيد من الالتزام بالتخفيضات المقررة يمكنها سحب ما قد يصل الى مليون برميل يوميا من السوق . ومع ان الالتزام اصبح جيدا، الا ان العوامل التي اصبحت تحكم اسعار النفط في السوق تتجاوز حسابات العرض والطلب التقليدية . وتتأرجح الاسعار بشدة تأثراً بأوضاع البورصات العالمية وقوة الدولار الامريكي، ومتأثرة اكثر بالارقام والبيانات والتوقعات بشأن نمو الاقتصاد في الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية الصاعدة . وهذا العامل الاخير هو الذي يحكم اكثر الآن كل التحليلات والتوقعات بالنسبة لسوق الطاقة وغيره .

واذا كان شبه الاجماع غير الرسمي بين اعضاء أوبك على ان السعر المناسب للنفط في ظل الوضع الحالي هو ما بين 60 و70 دولارا للبرميل، فان ذلك يبدو حتى الآن املا بعيد المنال على الاقل في المدى القصير . وقد فعلت أوبك ربما جل ما بوسعها لضبط معادلة العرض والطلب لوقف تدهور الاسعار اكثر، حتى ان احتمال اللجوء الى مزيد من تخفيض الانتاج قد ينقلب عكسيا ويؤدي الى ضغط اكبر للطلب ما يهوي بالاسعار . فمخزونات الاحتياطيات النفطية التجارية في الدول المستهلكة عند اعلى معدلاتها ويمكن اللجوء اليها لتعويض اي تراجع في العرض من المنتجين .

يظل إذاً العامل الحاسم في توقعات سوق الطاقة هو الازمة الاقتصادية العالمية وتأثيرها السلبي في نمو الاقتصادات الكبرى والصاعدة . ونتيجة تعمق الازمة واحتمال استمرارها اكثر مما كان منتظرا من قبل، يشهد الطلب العالمي على الطاقة انكماشا هو الاول منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي . فقد انكمش الاستهلاك العالمي من الطاقة بنسبة 3 .0 في المائة في العام الماضي، ويتوقع ان يتراجع الاستهلاك بنسبة اكبر العام الجاري، تقدر بما بين 7 .1 في المائة و2 في المائة . وينتظر ان يكون العام المقبل بداية توقف التراجع في الاستهلاك، ومن ثم الطلب، اذا صدقت توقعات بداية خروج الاقتصاد العالمي من الازمة بحلول 2010 .

تأخذ تلك المتوسطات في الحسبان دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، التي تضم امريكا واوروبا واليابان (اي الدول الصناعية الكبرى)، والتي ستشهد المزيد من الانكماش في الناتج المحلي الاجمالي العام الجاري ومن ثم تراجع الطلب على الطاقة . الا ان الوضع في بقية انحاء العالم ليس جيدا، خاصة في الاقتصادات الصاعدة التي لا تزال تشهد نموا، فمن المتوقع ان ينكمش الطلب العالمي في المتوسط بما يقارب 2 في المائة . مثال على ذلك ان اكبر الاقتصادات الصاعدة (الاقتصاد الصيني) سيشهد تراجعا في استهلاك الطاقة بنحو 2 في المائة العام الجاري .

وبدأت آثار ذلك التدهور في سوق الطاقة ينعكس على اقتصادات الدول المنتجة والمصدرة، والتي تأثرت اساسا بالازمة الاقتصادية بدرجة او أخرى . فمع سعر 40 دولاراً للبرميل في المتوسط، يتوقع ان يصل العجز في الحساب الجاري لدول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة الى 50 مليار دولار، وان يصل عجز الميزانية في المتوسط العام لدول المجلس الى نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي . وتتوقع وحدة تحليلات الايكونوميست ان يتراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي في دول الخليج، وان يكون اقل من واحد في المائة في السعودية والكويت والامارات على سبيل المثال . كما ان قطر، التي يتوقع ان تحد الطفرة في مشروعات الغاز الطبيعي من تراجع نمو اقتصادها، قد تواجه مشاكل صعبة في حال تراجع الطلب على الغاز الطبيعي في آسيا وأوروبا بنفس معدلات انكماش النمو الاقتصادي .

تبقى الخيارات المتاحة امام أوبك للتأثير في السوق محدودة طالما العوامل التي تحكم حركة الاسعار خارج معادلة ضبط العرض مقابل الطلب . ومن غير المعروف حتى الآن اذا كانت الجهود المبذولة لتخفيف آثار الازمة العالمية يمكن ان تؤدي الى خروج الاقتصاد العالمي من ركوده قريبا (في غضون عام) ام لا؟ وحتى الربع الاول من العام المقبل، ليس امام أوبك الا المتابعة اللصيقة لتطورات السوق والعوامل المؤثرة فيه والمرتبطة بمؤشرات الاقتصاد العالمي الكلية والتصرف في نطاق ضيق الى ان تنجلي الأمور .

* محلل اقتصادي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"