المتحف النبوي الإسلامي.. مشروع حضاري

01:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

لا أعرف التفاصيل وراء قرار الشيخ محمد بن راشد حفظه الله بتأسيس متحف الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأعتقد أن الموضوع هو إقامة متحف إسلامي تكون آثار النبوة جزءا أساسياً من محتويات المتحف.. والشيخ محمد بن راشد أحد السياسيين والزعماء القلائل في العالم الإسلامي الذي يهتم اليوم بنشر المعرفة المفيدة التي تنفع الإنسانية في كل مكان، سواء أتت هذه المعرفة من التراث الكبير للإسلام أو باستخدام التكنولوجيا الحديثة للعلوم والمعارف، وما يقدم على يدي هذا القيادي من مشروعات لها السمة العلمية شاهد على ذلك وبادية للعيان.

وإذا صح التعبير أن الذي يشار إليه ويقام في دبي هو المتحف الإسلامي أو المتحف النبوي أو أي مشروع يتعلق بالتراث الإسلامي، فإن هذا المشروع لهو من الأهمية بحيث يقتضي أن تتضافر كل الجهود وتتكاتف من أجل إيجاده ونجاحه، ففي التراث الإسلامي المنتشر في بقاع العالم من مخطوط ومرسوم ومنحوت ومسكوك، ما يتهلل له جبين كل من يبحث عن المعرفة والدور الحضاري الذي لعبه أسلافنا من المسلمين لإقامة مدنية عميقة الجذور، ولو قام أحدنا بزيارات استطلاعية في أوروبا على سبيل المثال للمتاحف المنتشرة في كل مكان لوجد أركاناً كثيرة من هذه المتاحف تعج بالتراث الذي أورثه المسلمون للإنسانية على مدى العصور المنصرمة.

التفكير في هذا المشروع والبدء في إعداد خططه عمل جليل، ويضيف إلى مكانة دبي ومكانة الإمارات بعداً جديداً على الأبعاد الأخرى التي تجعل من هذا البلد قبلة للزوار لا من أجل الاستمتاع بمعالم البلد الكثيرة التي تفرج الهم وتجلب الاستمتاع، ولا من أجل التبضع وعقد الصفقات التجارية فحسب، بل من أجل الوقوف على معالم من الحضارة المعرفية التي هي القيمة الحقيقية لأي مجتمع يتطلع لأن يكون مساهماً في المعارف الإنسانية.

في السنوات القليلة المنصرمة بدأت الناس تحس بوجود حركة من الثقافة والشأن الثقافي في الإمارات وليس جمع المال وحده محط الاهتمام. صحيح أن الثقافة لا تزدهر ازدهاراً مؤثراً إلا بتوفير المال، ولكن لا قيمة مطلقاً للمال ما لم يساهم في ازدهار الثقافة، وصاحب المال المثقف خير ألف مرة من صاحب مال غير مثقف، والثقافة هنا لا تعني أن يكون الإنسان دارساً وحاملاً أعلى الشهادات الأكاديمية حتى يدعى مثقفاً، فالثقافة هي الفهم وخبرات الحياة والتمتع بجوانب شتي من المعارف الإنسانية، وتعني بالدرجة الأولى أن يكون لدى المرء الحس الحضاري وأن يكون واعياً وعلى استعداد ذهني للمساهمة في الشأن الثقافي والأمور التي تهم التنمية الثقافية والذهنية في المجتمع.

ولعلنا لا نذهب بعيداً إذا قلت إن مشروع المتحف الإسلامي هو جزء من الرد الحضاري على أولئك الذين لا يعرفون الإسلام إلا عن طريق التصادمات غير الحضارية، بحيث نثبت لهؤلاء أن الإسلام كان ومازال مساهماً في مسيرة الحضارة الإنسانية، وأن الإمارات خاصة تمثل جانباً مضيئاً لإبراز هذه المساهمة والانضمام إلى قافلة الحضارة والتمدين البشري..

وكلنا نعرف أن هذا العمل، عمل ضخم ويتطلب جهوداً فكرية وتمويلية عالية للوصول به إلى الكمال، وليست الدولة أو حكومة دبي معنية لوحدها للصرف على هذا المشروع، فهذا المشروع مشروع جماعي ومشترك وهو ذو قيمة كبيرة شأنه شأن مشروع دبي العطاء، الذي ساهم فيه الكثيرون بالإعداد والمساهمات السخية بالمال.. فلنعمل جميعاً في الإمارات أولاً وفي دول الخليج العربية ثانياً وفي كل مكان متحضر، للتعاضد مع الشيخ محمد بن راشد والشد على يديه ومباركة خطوته هذه التي ترمي إلى المساهمة في إعادة المجد لتاريخنا وتراثنا الحضاري وتكملة بنائه كما شرع فيه السلف.. ونردد معاً:

نبني كما كانت اوائلنا..

تبني، ونفعل مثلما فعلوا

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"