عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

إبراهيم الخليل

23:24 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم الشويهي

إبراهيم أبو الأنبياء، وإمام الحنفاء، خليل الرحمن، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى عنه: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً». ومعنى الأمة في هذه الآية يدور على وجهين: الأول: أنه كان يساوي أمة كاملةً في عمق إيمانه ورجاحة عقله وكريم خصاله.

الثاني: أنه يَأتم به الناس ليأخذوا منه الخير، فقد قال الله له: «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»، فهو إمام الحنفاء كما وصفه الله في كتابه وجاء الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم: «أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً».

لم يبلغ الخليل هذه المنزلة العَلِية والإمامة في الدين بعد فضل الله إلا بالصبر واليقين. قال ابْنَ تَيْمِيَّةَ: «بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ»، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ».

تتابع الابتلاء على الخليل إبراهيم، والذي ظهر فيه صبره ويقينه منقطع النظير، ومن ذلك لما أقام على قومه الْحُجَّةُ، اسْتعْمَلوا جَاهِهِمْ وَقُوَّةِ مُلْكِهِمْ، «قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ»، فحَشَدوا فِي جَمْعِ أَحِطَابٍ عَظِيمَةٍ مُدَّةً طَوِيلَةً، وحَوّطوا حَوْلَهَا، ثُمَّ أَضْرَمُوا فِيهَا النَّارَ، فَارْتَفَعَ لَهَا لَهَبٌ إِلَى عَنَان السَّمَاءِ، وَلَمْ تُوقَدْ نَارٌ قَطُّ أَعْظَمُ مِنْهَا، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَكَتَّفُوهُ وَأَلْقَوْهُ فِي كفَّة الْمَنْجَنِيقِ، ثُمَّ قَذَفُوا بِهِ فِيهَا، وهو عليه السلام يواجه النار بإيمانه العميق بالله.

قال ابْنِ عَبَّاسٍ: «كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، فكانت المعجزة التي نصره الله بها: «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»، «فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ»، ولم تحرق منه سوى وثاقه. وَخَرَجَ مِنْهَا سَالِماً.

وقد جازاه مولاه بأن جعله أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ، فمن فضائله العظيمة عليه السلام ما ثبت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً.. ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ».

ولم يكن ذلك الابتلاء الوحيد في حياة الخليل، عليه الصلاة والسلام، فقد امتثل لوحي الله، عز وجل، وأخذ وحيده الرضيع إسماعيل وزوجته هاجر، عليهما السلام، وذهب بهما إلى مكة، (وكانت يومئذٍ لا نبت فيها ولا ماء)، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، ومضى لا يلوي على شيء، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ وقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ: «آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا»، قَالَ نَعَمْ. قَالَتْ: «إِذاً لاَ يُضَيِّعُنَا».

امرأة ضعيفة، ووليد أضعف، يُتركان في صحراء قاحلة، جرداء، ومع ذلك يكون الاطمئنان، والقناعة بكلمة واحدة من زوجها عليه السلام! أي مكانة لليقين بالله أعظم من موقف هذه المرأة العظيمة والذي يعجز عن مثله الرجال الأشاوس.

ولوْ أن النّساء كمثل هذه لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ، فهي تعلم يقيناً أن الله لا يُضيّع أهله، فسيحفظها الرحمن الرحيم كما حفظ زوجها إبراهيم في لجج النيران.

فكن يا عبدالله من أهل الله ولا تخشى الضيعة وقل بلسان اليقين:

أَيُدركني ضيمٌ وأنتَ ذخيرتي وأُظلمُ في الدّنيا وأنتَ نصيري

وإن وجود المرأة الصالحة، تلك الجبهة الداخلية الربانية، لهي من أهم الركائز والمعالم في طريق مجتمع مبارك.

وصدق شاعر النّيل حين قال:

الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا... أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيّبَ الأَعْرَاقِ

الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعْهدَهُ الْحَيَا... بِالدِّينِ أَوْرَق أَيَّمَا إِيرَاقِ

لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ناصحاً وموجهاً الرجال بعد أن ذكر لهم معايير اختيار الزوجة: «فاظفر بذات الدين ترِبَتْ يداك»، ولماذا ذات الدين؟

الجواب في قول المولى جل وعلا: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43uerrz5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"