ماكرون والحلم الأوروبي

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

على الرغم من أن فكرة الاستقلال الأوروبي وإبعادها عن دائرة التبعية الأمريكية ليست جديدة، فإنها كانت تخبو أحياناً وتطفو على السطح أحياناً أخرى، تبعاً للتطورات العالمية خصوصاً إبان الحرب الباردة، لكنها بقيت حلماً لدى النخب الأوروبية على مدار العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

 ماكرون الجريء الذي يتعرض للكثير من الانتقادات بشأن سياسته الخارجية، ويواجه عاصفة من الاحتجاجات الداخلية على خلفية تعديل نظام التقاعد، لم يشأ أن يفوّت وضع اسمه في سجلات التاريخ، حينما قرر أن يرتدي ثياب شارل ديغول، ويتحول إلى شبح يجول مختلف أنحاء القارة العجوز، متحدياً سطوة الولايات المتحدة وجبروتها وسيطرتها التي طالت العالم بما في ذلك القارة الأوروبية. ومع أن ديغول الذي تحوّل إلى رجل فرنسا الأسطوري لم يكتف فقط بالقول «لا» لواشنطن؛ بل أعلن انسحابه من حلف «الناتو»، وأرسل جميع الدولارات في بلاده على سفن الشحن إلى الولايات المتحدة، إلا أن ما قام به ماكرون يبدو أكثر أهمية قياساً بالظروف الراهنة وارتداداته المباشرة على واشنطن. 

 إذ كان رهان واشنطن إلى جانب حلفائها الأوروبيين يعوّل على إمكانية قيام ماكرون، خلال زيارته لبكين، بإقناع نظيره الصيني، بالضغط على روسيا، لوقف الحرب في أوكرانيا، والسعي إلى دفع الصين نحو تبني الموقف الغربي، إلا أن ما حدث هو العكس تماماً، فقد أطلق ماكرون تصريحه الأكثر أهمية، بالدعوة لاستقلال أوروبا، وتخليصها من التبعية الأمريكية، من دون أن يعني ذلك انتهاء التحالف بين الجانبين، وإنما قيام تحالف عادل يحافظ على استقلالية ومصالح كلا الطرفين، وليس طرفاً واحداً فقط، مع أن ماكرون سبق أن حاول مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التخلص من الهيمنة الأمريكية على أوروبا، والعمل على قيام أوروبا قوية ومستقلة وموحدة، وطرحا فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد، للدفاع عن القارة بدلاً من الاتكال على الحماية الأمريكية. 

 إلا أن توقيت إعادة طرح هذه الأفكار هو ما أزعج الولايات المتحدة، فبعد أن تمكنت من إحباط محاولات ميركل - ماكرون السابقة، ها هي ذات الأفكار تطل برأسها من جديد، ومن قلب بكين هذه المرة، ما يضفي عليها بعداً آخر يتيح إمكانية استناد فرنسا إلى الجدار الصيني بدل الأمريكي، ويوقف انتقال الشركات الأوروبية الكبرى للولايات المتحدة، وتفريغ القارة العجوز، لإبقائها في دائرة التبعية الاقتصادية والسياسية، في وقت كانت واشنطن تحشد الأوروبيين، للوقوف معها في مسألة تايوان.

 يرى بعض المراقبين أن تصريحات ماكرون لم تزعج واشنطن فحسب، وإنما قسمت أوروبا إلى معسكرين؛ أحدهما يرى أن وجوده وأمنه مرهون بالحماية الأمريكية، خصوصاً دول البلطيق وبعض دول أوروبا الشرقية، مع انحياز ألمانيا ضمناً لهذا المعسكر خلافاً لما كانت عليه الحال في عهد ميركل، فيما المعسكر الثاني يبدو أكثر تقبلاً لأفكار ماكرون، وأكثر تفهماً لموقف المجر التي رفضت قطع العلاقات مع موسكو، وتجنبت معاناة انقطاع النفط والغاز؛ حيث قامت الولايات المتحدة ببيعهما لحلفائها الأوروبيين بأربعة أضعاف سعره الروسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/v8zkpwye

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"