عادي

النبي.. محب لأمته شفيع للخلق

23:45 مساء
قراءة 4 دقائق
1

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت. 

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

صور ومظاهر حب النبي، صلى الله عليه وسلم، لأمته في السيرة النبوية كثيرة، ولم يُؤثر عن نبي من الأنبياء، عليهم السلام، ذلك الحرص والحب الشديد لأمته كما أثر عن نبينا. وصدق الله تعالى حين قال: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» التوبة 128.

قال ابن كثير في تفسيره: «وقوله: «عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ» أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، «حَرِيصٌ عَلَيْكُم» أي: على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم». وقال السعدي في تفسيره: «أي شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم، ولهذا كان حقه مقدماً على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره».

والناظر في السيرة النبوية المشرفة يجد صوراً وأمثلة كثيرة تدل على مدى حب النبي، صلى الله عليه وسلم، لأمته منها دعوته لها في كل صلاة. عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، قالت: لما رأيت من النبي، صلى الله عليه وسلم، طيب النفس قلت: يا رسول الله ادع الله لي فقال: «اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت»، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الضحك فقال لها رسول الله «أيسرك دُعائي» فقالت: ومالي لا يسُرُني دُعاؤُك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «والله إنها لدُعائي لأُمتي في كل صلاة».

دعوة مدخرة

أعطى الله عز وجل كل نبي من الأنبياء دعوة، أعلمهم أنها تُستجاب لهم، فنالها كل نبي في الدنيا، لكن نبينا صلى الله عليه وسلم ادخر دعوته إلى يوم القيامة، ليشفع لأمته بها عند الله. والمتأمل في السيرة النبوية يجد صوراً كثيرة يظهر من خلالها مدى رحمة نبينا بأمته، وشفقته بها، وحرصه الشديد على أن تكون في ظل الرحمن وجنته يوم القيامة.

ومن أعظم هذه الصور شفاعته صلوات الله وسلامه عليه يوم القيامة لأمته، والتي قال الله عز وجل له فيها: «يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ». صحيح البخاري.

ويذكر الشيخ محمد صديق المنشاوي في كتاب «أخلاق الرسول»، أن «شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من خصائصه، ومن آيات فضله وكرامته، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي قال: «أُعْطِيتُ خَمْساً لمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْب مَسِيرَة شهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِداً وطهُوراً، فأيما رجل مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المغانِمُ ولَمْ تَحِلّ لأحدٍ قبْلي، وأُعْطِيتُ الشَّفاعة، وكان النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاس عامّة». رواه البخاري.

والشفاعة العظمى هي المقام المحمود الذي يذهب فيه الأولون والآخرون إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ليشفع لهم عند ربهم. قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا» الإسراء: 79: «قال ابن عباس: هذا المقام المحمود مقام الشفاعة، وقال قتادة: هو أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وكان أهل العلم يرون أنه المقام المحمود الذي قال فيه الله: «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا». قلتُ: لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسليماً تشريفات يوم القيامة لا يشركه فيها أحد، وتشريفات لا يساويه فيها أحد، فهو أول من تنشق عنه الأرض، ويبعث راكباً إلى المحشر، وله اللواء الذي آدم فمن دونه تحت لوائه، وله الحوض الذي ليس في الموقف أكثر وارداً منه، وله الشفاعة العظمى عند الله ليأتي لفصل القضاء بين الخلائق، وذلك بعدما يسأل الناس آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، فكل يقول: «لست لها»، حتى يأتوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: «أنا لها، أنا لها».

وقال الطبري: «لعل ربك أن يبعثك يوم القيامة مقاماً، تقوم فيه محموداً تُغبط فيه، ثم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك المقام المحمود، فقال أكثر أهل العلم: ذلك هو المقام الذي هو يقومه يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم».

قال د.أحمد عمر هاشم عضو كبار العلماء في الأزهر الشريف، إن رسول الله يخبرنا أن أمته ترد عليه يوم القيامة على الحوض المورود الذي من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، وهو يدفع الناس عنه وهو يعرف من يكون من أمته، فيسأله الصحابة: أتعرفنا يا رسول الله يوم القيامة من كل البشر الموجودين، فيجيبهم رسول الله، ويقول لهم: سيكون لديكم علامة ليست لأحد غيركم وهي كثرة بياض الإنسان من كثرة إسباغ الوضوء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ttk382z4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"