عادي

حنين لا تحب الغيبة والنميمة

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق

استيقظت حنين من نومها على صوت شخص يتحدث بصوت مرتفع ويقول: كفاكم غيبة ونميمة، لم تتركوا شخصاً إلا وخضتم في سيرته وجعلتموه فاكهة مجلسكم. خرجت حنين فجأة من حجرتها فوجدت أمها تشاهد أحد الأفلام العربية في التليفزيون، فلفت نظرها كلمتا النميمة والغيبة اللتان ذكرهما ذلك الرجل، فهي لم تتعد عامها العاشر، ولا تعرف معناهما.

ابتسمت والدتها وطلبت منها الانتظار لحين حضور أبيها من العمل، فهو يعمل مدرساً للغة العربية وسيشرح معنى الغيبة والنميمة، وموقف الإسلام منهما.

مر الوقت، ثم دق جرس الباب، فأسرعت حنين لتفتح لأبيها، ما إن رأته حتى طلبت منه أن يشرح لها معنى الغيبة والنميمة، استغرب الأب من طلبها، فأمسك بيدها ودخل الشقة، ثم سأل أمها عن رغبة حنين، فحكت له الموقف الذي حدث، فقال: حبيبتي، سأشرح لك ما تريدين، ولكن، هل تسمحين لي أن أتناول الغداء؟ فأنا جائع جداً، جداً، جداً. قالت حنين: هيا بنا لنتناول الغداء.

تناولت حنين طعامها بسرعة وجلست تنتظر أباها حتى ينتهي من طعامه، جلس الجميع بعد الطعام وبدأ الأب يتحدث عن النميمة والغيبة، فقال: للأسف، إنهما أصبحتا من أساسيات الحوارات التي تدور بين كثير من المسلمين في وطننا العربي، وتنتج عنهما مشكلات كثيرة تحدث بسبب القيل والقال، وبغض النظر عما قد تسببه المسألتان من كوارث داخل المجتمع وبين أفراد الأسرة الواحدة، فإنه من الضروري الانتباه إلى أنهما من أخطر المحرمات التي قد تضر بالآخرين أكثر مما تضر الشخص نفسه وقد نهى الله عنهما ونفّر عباده منهما، بل ومثلهما بصورة كريهة تتقزز منها النفوس.

وقد سُئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الغيبة فقال: «ذكرك أخاك بما يكره»، فقال السائل: أرأيت إن كان فيه ما أقول؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته. رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. والبهتان أعظم الكذب.

ويشبّه الله المغتاب بآكل الميتة في قوله تعالى:«وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ». ويشرح البهتان بقوله «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا».

والغيبة يستوي فيها: التصريح، التعريض، الإيماء، الإشارة، الحركة، التقليد، الغمز، واللمز بحيث يفهم مقصود المتكلم، كما يستوي فيها الحي والميت. وقد تكون الغيبة بالكتابة أيضاً ومرتكبها لا يكتفي بما تسطره عليه الملائكة، وإنما يسطر هو على نفسه.

وقد يُلبس الشيطان الغيبة ثوب الحق فتبدو سليمة من حيث الشكل، ويقع صاحبها في المحظور..ومن أمثلة ذلك: الاغتياب تحت مظلة الكاره للمنكر، الاغتياب تحت مظلة الغضب لله من أن تنتهك محارمه، الاغتياب تحت مظلة الرحمة بمن تغتابه والحرص عليه، الاغتياب تحت مظلة التعجب، والاندهاش، وعدم التصديق.

وتتضح خطورة الغيبة من قول النبي، صلى الله عليه وسلم:«من كان لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس فيه دينار ولا درهم.. إنما يؤخذ من حسناته. فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت في سيئاته».

ولعلاج هذا المرض الخطير الذي يهلك صاحبه لا بد من أن نفتش عن الباعث والذي لن يخرج عن إشفاء الغيظ الناتج عن الحقد والغضب، موافقة الجلساء ومجاملتهم، الاستهزاء والسخرية، تزكية النفس بتنقيص الغير، الحسد الذي يؤدي إلى إظهار عيوب المحسود حتى يتوقف الناس عن مدحه أو الإعجاب به، تمضية الوقت والتسلية.

والنميمة هي نقل كلام إنسان عن آخر إلى ذلك الذي قيل عنه للإفساد بينهما، وذلك من أسباب قطع الروابط وإيقاد نيران الحقد والعداوة بين الناس. لذلك حذر النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: «لا يدخل الجنة نمام» وقال: ألا أنبئكم بشراركم؟ ألا أخبركم بشراركم؟! قالوا: بلى. قال: المشاءون بالنميمة..المفسدون بين الأحبة.. الباغون للبرآء العيب.

والنمام يمشي بالنميمة لواحد من ثلاثة أسباب: إرادة السوء بمن نقل عنه الكلام وإظهار الحب والحرص على مصلحة من نقل إليه، الوقوع في فضول الكلام.. والخوض في الباطل من أجل التسلية وتمضية الوقت.

وغالباً ما تجتمع في النمام صفات عديدة مذمومة مثل: الكذب، والخيانة، والخديعة، والغدر، والغل، والحسد، والحقد، والغيبة، والإفساد بين الناس، وقطع ما أمر الله به أن يوصل.

إذن يا حنين، هل ستكونين نمامة أو ستتحدثين بالغيبة؟ ردت وبدون تفكير: لا يا أبي، أنا لا أحب الغيبة والنميمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/433shpuy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"