عن شيء اسمه «السيادة»

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الحسين شعبان

ثلاث قضايا تشتبك سلبياً مع مبادئ السيادة، واجهها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، خلال الأيام القليلة المنصرمة.

} أولاها: العدوان التركي على مطار السليمانية، والتهديدات التي أطلقها مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، بإغلاق المجال الجوّي، لكون «السليمانية واقعة تحت سطوة حزب العمّال الكردستاني»، الذي يعتبره منظمة إرهابية. ولم يكن ردّ الفعل العراقي بالمستوى المطلوب، علماً بأن تركيا ترفض إجلاء قواعدها العسكرية من كردستان العراق، على الرغم من الطلب العراقي.

  يضاف إلى ذلك، أن القوات الأمريكية تقوم بنشاطات عسكرية على طول العراق وعرضه، من دون العودة إلى الحكومة العراقية، كما حصل حين اغتالت مسؤولاً عراقياً (أبو مهدي المهندس)، وآخر إيرانياً (قاسم سليماني).

} وثانيتها: استمرار الميليشيات المسلحة خارج نطاق الدولة والقانون، وقد شهدت بغداد مؤخراً استعراضاً مفاجئاً لمسلحين غير نظاميين، من دون رد فعل يُذكر من جانب الدولة، وهذه ليست المرّة الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، في منافسة الدولة التي يُفترض أن تكون مرجعيّتها القانونية فوق جميع المرجعيات، وأن تحتكر السلاح بيدها وحدها. 

} وثالثتها: التصريحات النارية التي أطلقها أكرم الكعبي، زعيم «جماعة النجباء»، ضدّ الولايات المتحدة، مهدّداً ومتوعّداً وجودها العسكري في العراق، إن لم تجلِ قواتها وترحل من العراق، مُلقباً سفيرتها ﺑ«سفيرة الشر»، علماً بأنها جزء من قوات الحشد الشعبي (الرسمية قانوناً). وكان مجلس النواب حدّد مساره القانوني عام 2016، إلّا أن اعتراضات، كانت تظهر، بين الفينة والأخرى في مناطق عدّة من غرب العراق، وصولاً إلى الموصل بشأن السلاح، واستخداماته من جانب المسلّحين، فما بالك حين يكون الأمر في العاصمة بغداد؟

 وكالعادة، يختلف الفرقاء، «الإخوة الأعداء»، حسب الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكس، بشأن مفهوم السيادة، لدرجة أن البعض يعتبر العراق خاضعاً لإيران، والآخر يعتبره مقيداً أمريكياً، حيث استعيض عن الاحتلال العسكري بالاحتلال التعاقدي. 

  وبالطبع، لم يعد مفهوم السيادة مطلقاً، بل إنه مقيّد بحكم الأمر الواقع، فكيف يمكن تصوّر سيادة مطلقة بالمعنى التقليدي في ظلّ العولمة، والطور الرابع للثورة الصناعية، حيث أصبح العالم «قرية صغيرة ومفتوحة» من جميع الجوانب، ليس بفعل القوّة العسكرية فحسب، بل بوسائل ناعمة أكثر تأثيراً وأعمق أثراً، مثل الثقافة والاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا، وغيرها.

 ومنذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 688 في 5 إبريل/ نيسان 1991، والقاضي بوقف القمع الذي تتعرّض له المنطقة الكردية وبقية مناطق العراق، أصبح مبدأ التدخّل «لأغراض إنسانية» مثار جدل ونقاش فقهيين وسياسيين، في ظلّ اعتبار قاعدة احترام حقوق الإنسان بصفتها قاعدة علوية من قواعد القانون الدولي. وللأسف فإن مبدأ «التدخّل الإنساني» تمّ تسييسه واستغلاله من جانب القوى المتسيّدة في العلاقات الدولية على نحو انتقائي بازدواجية المعايير، تلك التي تتجلّى بأبشع صورها اليوم من عسف وإجلاء واستيطان في فلسطين، ومن عدوان «إسرائيلي» مستمر ومتكرّر على الأمة العربية.

 وكنت جئتُ على مفهوم السيادة في كرّاس بعنوان «السيادة ومبدأ التدخّل الإنساني»، أساسه محاضرة ألقيتها في جامعة صلاح الدين (أربيل) في عام 2000، وقامت الجامعة حينها بطبعه، تناولت فيه تطبيقات الفكرة ومفارقاتها، نظرياً وعملياً.

قد تكون هذه المواضيع الحسّاسة وراء تصريح السوداني بشأن التفكير في التحالف الدولي في مسألة نزع سلاح جميع التيارات، كما قال. وهو أمر إشكالي ويثير أسئلة جديدة - قديمة، حول فكرة السيادة العراقية التي ظلّت «معوّمة» و«مجروحة» منذ فرض الحصار الدولي، إثر غزو الكويت، وإلى يومنا الحاضر. فهل أن إقحام «التحالف الدولي» في شأن داخلي محض، سيكون مساعداً في استعادة السيادة، أم أنه سيزيد من تعقيدات الوضع العراقي؟ هي أسئلة برسم الحكومة العراقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p89ned2

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"