عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

خاتم النبيين

23:45 مساء
قراءة 3 دقائق

د. سالم الشويهي

قال الله تعالى لخاتم الرسل والأنبياء في ختام ذكره للرسل، عليهم الصلاة والسلام،«أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ». وقد امتثل النبي، صلى الله عليه وسلم، فاهتدى بهدي الرسل قبله فجمع الله له كل كمال.

فيهم مَحَاسِنُ أَخْلاقِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَدِ فهَديَه عليه الصلاة والسلام هو الجامِع لما تفرّق في الأنبياء من الفَضائل والمحامِد، فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع النبيين، فكان سيد المرسلين وإمام المتقين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

والله ما خلق الإله ولا برى بشرا يرى كمحمد بين الورى

ولذلك شهد الله تعالى له بما لم يشهد به لأحد من العالمين فقال جل جلاله: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، فهو كما قالت أمنا عائشة، رضي الله عنها، لما سئلت عن خُلُقِه صلى الله عليه وسلم قالت: «كان خُلُقُه القُرآن». أي: تمثل القرآن سلوكاً عملياً بما فيه من قصص الأنبياء والتوجيه الرباني فحاز الكمال البشري وكان قدوة الأنام على مر العصور والأزمان عليه الصلاة والسلام.

نفسي الفداء لمن أخلاقه شهدت... بأنَّه خير مبعوثٍ إلى البشرِ

عمَّت فضائله كل الأنام كما... عمَّ البرية ضوء الشمس والقمرِ أخلاقه صلوات الله عليه آية كبرى وعلم من أعلام نبوته العظمى.

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبِيِّنَةٌ... لَكَانَ مَنْظَرُهُ يُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ

فالرسول هو القدوة والأنموذج السلوكي للبشرية إلى يوم الدين، فهو المثل الأعلى الذي تتلمس منه البشرية قاطبة الاقتداء في جميع تصرفاتها.

مِن نَبعْ هَدْيكَ تُستَقَى الأنوارُ... وإلى ضيائك تَنْتَمِي الأقمارُ

لمَ لا تكونُ؟ وأنتَ أفضلُ مُرسَلٍ... وأعزُّ مَنْ رَسَموا الطريقَ وساروا «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا»، فَيُقْتَدَى بِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَيُتَعَزَّى بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ. قال الإمام سفيان

بن عيينة: «إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هو الميزانُ الأكبرُ، وعليه تُعرضُ الأشياء على خُلُقِهِ وسِيرته وهَدْيه، فما وافقها فهو الحقُّ وما خالفَهَا فهو الباطلُ».

وأحسن من قال في نبينا المختار عليه الصلاة والسلام:

إن كان للأخلاق ركنٌ قائمٌ في هذه الدنيا فأنت الباني

المجد والشرف العظيم صحيفة جُعلتْ لها المختار كالعنوان

فهو صاحب الشَّريعة الغرَّاء، والملَّة السَّمحاء، والحنيفيَّة البيضاء، وصاحب الشَّفاعة العظمى والإسراء. له المقام المحمود، واللِّواء المعقود، والحوض المورود.. وهو سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين، وهو صفوة الأولياء والمتَّقين، وهو إمام الصَّالحين، وهو قدوة المفلحين.. قال عنه ربُّ العالمين: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، فهو رحمة للبشرية قاطبة.. قَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».

نورٌ أطلّ على الحياةِ رحيمًا وبكفّهِ فاضَ السّلامُ عمِيما

لمْ تعرِف الدُّنيا عظيمًا مثله صلّوا عليه وسلّمُوا تسلِيما

ويظهر ذلك جلياً في الشفاعة العظمى عندما يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ.. ويشفعه الله عز وجل في ذلك الموقف: «فَذَلِكُمُ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ».

إذا ما الناس يوم الدين قاموا إلى الرحمن واجتمع الجميع

وجل الخطب وانقطع الرجاء ونادى العالمون من الشفيع

هناك يقوم أحمد في يديه لواء الحمد مزدهر رفيع

هذا كله بفضل الله للنبي الخاتم، لأنه، صلى الله عليه وسل، امتثل قول مولاه فيما أمره تعالى ومن ذلك قوله جل في علاه: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}». وكذلك أمته، إن اقتدت به وبالأنبياء قبله كملت فكانت كما أرادها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y7vu33dy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"