قرن من النضال الفلسطيني

04:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.عبدالعزيز المقالح

يوشك قرن من النضال الفلسطيني أن يكتمل بما اتسع له من مقاومة متواصلة وتضحيات جسام لم يسبق لشعب من شعوب المعمورة أن خاض مثلها أو تمثل جزءاً منها. لقد بدأ الشعب العربي في فلسطين مقاومته الصلبة منذ وقت مبكر جداً في وجه المؤامرات التي هدفت إلى إقامة وطن قومي لليهود، واختارت لهذا الوطن المزعوم مكاناً هو فلسطين على أن يكون قومه المقترحون من شذّاذ الآفاق، من غرب أوروبا وشرقها. لكن الوعي الفلسطيني والإحساس بالخطر لم يتوقف، ولم يتوقف النضال منذ بدأت الفكرة تنمو في رؤوس القادة الاستعماريين حتى هذه اللحظة.
وما يحدث الآن من مظاهرات العودة وإثبات الوجود الوطني الفلسطيني وسط التأييد والتعاطف الدولي والعالمي منقطع النظير ليس إلاَّ امتداداً لتلك البدايات. ومن له عينان ووجدان من أبناء هذه المعمورة يرى في مواكب الشباب الفلسطيني وهي تتقدم للموت متضامنة متراصة تتلقى القذائف والرصاص دون أن يختل توازنها، من يرى ذلك لا بد أن يُكْبِرَ هذا الشعب وينحني بإجلال أمام بطولاته النادرة.
إن شعبنا الفلسطيني وهذه بعض بطولاته الخالدة لن يتراجع عن تحقيق أهدافه وعلى مدى ما يقرب من قرن من الزمن لم يعرف الاستسلام للصعوبات، أو يكف عن التحدّي وهو الأعزل الذي لا يملك سوى إرادته وإيمانه بوضوح قضيته وحقه في تقرير مصيره والخلاص من قبضة الاحتلال الاستيطاني الذي اشعل وما يزال يشعل نيران الفوضى والغضب في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
لقد أراد قادة الاستعمار القديم ومثلهم قادة الاستعمار الجديد أن يجعلا من هذا الحشد اليهودي في هذه المنطقة قاعدة للوثوب على ما فيها وما حولها، لكن الأيام والتجارب والحروب المتلاحقة أثبتت أن الفكرة من أساسها بدأت مغلوطة واستمرت في طرح أخطائها وخطاياها إلى أن جعلت بعض من كانوا في مقدمة مروِّجيها والعاملين على تنفيذها يرون بشاعة آثارها وما جرّته عليهم وعلى غيرهم من أخطار تقود إلى ما لا يمكن توقعه أو التكهن بنتائجه. ومن يتابع الصحافة البريطانية والفرنسية يدرك أبعاد التحول الجديد والمواقف النادمة.
وهنا تجدر الإشارة إلى عامل مهم من عوامل الهيجان الراهن والذي سيؤدي في الأيام المقبلة إلى ردود أفعال غير مسبوقة، وأعني به قرار نقل سفارة الولايات المتحدة من «تل أبيب» إلى «القدس»، وهو القرار الذي تنسبه السياسة الأمريكية إلى دونالد ترامب، وهو في الحقيقة من القرارات الجاهزة في الأدراج السياسية للولايات المتحدة منذ وقت طويل، وكانت الإدارات المتعاقبة ترى تأجيله إلى الوقت المناسب، وجاء ذلك الوقت وتم تعليقه بعنق الرئيس ترامب الذي يسعى منذ وصوله إلى البيت الأبيض إلى الاشتباك مع العالم بلا هدف معين أو سبب واضح.
والذين يتحدثون عن وعد «بلفور» لا ينسون الإشارة إلى وعود سابقة للإدارة الأمريكية يعود بعضها إلى القرن التاسع عشر ويبررها البعض بأن الولايات المتحدة كانت في ذلك الحين تخشى الهجرة اليهودية وما سيترتب عليها من استيلاء المنظمات اليهودية على المؤسسات الاقتصادية والسياسية أكثر مما هي عليه الآن.
ولهذا السبب ولغيره بدأت الإدارة الأمريكية من ذلك الوقت المبكر في إغواء «الحركة الصهيونية» بالبحث عن الوطن القومي. وأيا كانت الأسباب فقد كانت الولايات المتحدة، وما تزال هي سند هذه الدويلة والقوة الداعمة مادياً وعسكرياً لوجودها والتمكين لها. وفي حين تتراجع بعض الدول التي أسهمت في إيجاد هذه الدويلة المسخ مازالت الولايات المتحدة تندفع وراء المزيد من التورط والإيغال في التآمر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"