«فاغنر» والرهانات الفاشلة

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

انتهى «تمرد اليوم الواحد» لمجموعة «فاغنر» العسكرية على غير ما كان يشتهيه العالم الغربي أو يتمناه قادة أوكرانيا، الذين سارعوا إلى وضع سيناريوهات خيالية اقتربت كثيراً من السريالية، ووصلت إلى حد إسقاط نظام الحكم في روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، وضمان انتصار أوكرانيا في الحرب الدائرة منذ نحو 16 شهراً خلال بضعة أيام أو أسابيع.

 التسوية السريعة التي حدثت خلال 24 ساعة فقط لتمرد زعيم «فاغنر» يفغيني بريغوجين، والتي قضت بإبعاده إلى بيلاروسيا، وضمان عدم ملاحقة مقاتليه، وترك الخيارات مفتوحة بالنسبة لهم، أحدثت صدمة في عواصم الغرب، وفي كييف بالذات؛ بسبب رفعها سقف التوقعات، والارتباك الناجم عن اضطرارها للتراجع والبحث عن تبريرات لرهاناتها التي لم تتحقق. وبنوع من المكابرة، راحت تتحدث عن تصدعات في القيادتين السياسية والعسكرية في روسيا، وتطرح الكثير من الأسئلة حول مصير «فاغنر» والمقاتلين الذين شاركوا في التمرد، قبل أن تتراجع بعض تلك العواصم وتعتبر أن ما حصل شأن داخلي روسي، لكن مع استمرار الكثير من التشكيك حول وجود فوضى في روسيا، وعدم سيطرة بوتين على الأوضاع في البلاد.

 وإلّا فكيف نفسر الاتصالات والمشاورات التي جرت، منذ اللحظة الأولى، بين بعض قادة الدول الغربية حول تطورات الأوضاع في روسيا، وقيل إن السفيرة الأمريكية في موسكو تواصلت، في موقف نادر، مع الخارجية الروسية حول هذا الأمر، بالتزامن مع تقارير تحدثت عن معرفة الإدارة الأمريكية مسبقاً بخطط «فاغنر». 

 هذا الارتباك العالمي لا يزال قائماً، ولا تزال التطورات الروسية على طاولة الاجتماعات الغربية، بالرغم من انتهاء حالة التمرد وعودة قوات «فاغنر» إلى قواعدها، وعودة الأوضاع إلى طبيعتها في روسيا. بالنسبة لموسكو، يبدو أن قرار حل قوات «فاغنر» قد اتخذ قبل إعلان التمرد، رغم التضحيات التي قدمتها هذه القوات خصوصاً في معركة باخموت، والشعبية التي كان يتمتع بها بريغوجين، وحتى قربه من بوتين، وعلاقته القوية مع بعض جنرالات الجيش، ذلك أن التمرد في أي جيش في العالم، يعتبر «انقلاباً» و«خيانة»، بغض النظر عن أي مسوغات أخرى، وبالتالي فإنه يصبح موجهاً ضد الدولة ومؤسساتها، والدولة ملزمة بالحسم، على الرغم مما يقوله بريغوجين بأن تحركه جاء للاحتجاج وليس لإسقاط الحكومة. 

 وهنا أيضاً تثار قضية عدم الحسم العسكري مع قوات «فاغنر» والسهولة التي وصلت فيها إلى نقطة تفصلها نحو 200 كم عن موسكو، وسيطرتها على مقر القيادة الجنوبية في روستوف التي تدير العمليات في أوكرانيا؛ حيث فتحت حينها شهية الغرب بانضمام قطاعات من الجيش للمتمردين واندلاع اقتتال داخلي، لكن الحكمة والحنكة الروسية تجلت هنا أيضاً، حين أدرك الجميع أن الدماء الروسية هي التي ستسفك، وهي في النهاية «خط أحمر». وهنا بالذات سقطت رهانات الغرب، لكن المدهش هو أنه قبل أن يصل بريغوجين إلى بيلاروسيا، بدأت أصوات في الغرب تتعالى للمطالبة بضرورة تعزيز الجناح الشرقي لحلف «الناتو» خوفاً من التحاق بعض مجموعات «فاغنر» بزعيمها هناك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/f4wx699a

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"