عادي

التفكر

21:55 مساء
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

مدح الله تعالى المتفكرين في كتابه بقوله ( إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ لاَيَاتٍ لاُوْلِي الألْبَابِ، الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ) [آل عمران:190، 191].

وختم الله تعالى ثلاث عشرة آية من كتابة بلفظ (تتفكرون) أو(يتفكرون)، مما يصور أهمية هذه العبادة المهجورة، وقال سبحانه: (أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ)[الأعراف 184] وقال عز وجل:(وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) [سورة الذاريات 21]، والبصر هنا بمعنى التفكر.

والتفكر من العبادات التي هجرها الكثيرون في هذا الزمان رغم دعوة القرآن الكريم والسنة النبوية والسلف الصالح إليها، وهذا الهجر سبّب خللاً في الوعي الإسلامي، إذ أصبحنا نهتم بأمور هي دون عبادة التفكر في الاعتبار الشرعي والفائدة المرجوة، وهي من أولى العبادات الموصلة إلى الارتقاء بالمستوى الإيماني للمسلم المعاصر.

وقال سبحانه (قُلْ إِنّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلّهِ مَثْنَىَ وَفُرَادَىَ ثُمّ تَتَفَكّرُواْ ) [سورة سبأ 46]، فأمرهم بالقيام من أجل التهيّؤ للتفكر، فالتفكر هو الموعظة المقصودة هنا بالرغم من وجود مواعظ أخرى.

إن الله ذكر في أكثر من 250 آية من القرآن الكريم، صوراً مختلفة للكون الذي يحيط بنا في سماواته وأرضه وفي جباله وبحاره وأنهاره وفي مخلوقاته من الجن والإنس والطير والدواب وفي هوائه وسحابه وأمطاره وفي أحداثه وتغيراته، وفي حاضره وماضيه وفي مشاعره وتسبيحاته. أترى هذا الكم الكبير من الآيات – التي تفوق الآيات المتحدثة عن الأحكام الفقهية – ذكرت عرضاً أو للقراءة المجردة فحسب؟!

كما ذم الله تعالى معطّلي العقول والأفكار، وشنّ عليهم حملة في آيات عدة من كتابه العزيز؛فقال سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا) ( لقمان 21 )، وقال عز وجل: (وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مّن نّذِيرٍ إِلاّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىَ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَىَ آثَارِهِم مّقْتَدُونَ, قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىَ مِمّا وَجَدتّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوَاْ إِنّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ, فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ) [الزخرف 23 - 25]. فجعل تعطيل العقل – التقليد الأعمى – سبباً للتكذيب والكفر ثم سوء العاقبة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفكر في آيات الله عزّ وجلّ، فيقلّب وجهه في السماء، وقد قال مرة لأصحابه:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته» [البخاري ومسلم]. وكان يأمر أصحابه بالتفكر فيقول:«تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله» أخرجه أبو الشيخ في العظمة 1/210 والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر وحسنه السخاوي، وله طرق أخرى. وكان أصحابه رضي الله عنهم كذلك، قيل لأم الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء؟ قالت: التفكر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/35p8xtes

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"