الحروب النقدية مضرة

22:19 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

كيف يمكن وصف الأوضاع في الولايات المتحدة البعيدة جغرافياً عن أوكرانيا والقريبة جداً سياسياً واقتصادياً وأمنياً؟ نسبة التضخم السنوية في أمريكا مرتفعة في وقت يقوم خلاله المركزي برفع الفوائد وتقليص حجم ميزانيته لمحاربة التضخم. في نفس الوقت ما زال الاقتصاد الأمريكي جاذباً جداً للاستثمارات لأنه يعتبر موقعاً آمناً سياسياً واقتصادياً وان لم يكن بالضرورة مالياً. هنالك خطر من توجه الاقتصاد مستقبلاً نحو الركود بسبب ارتفاع الأسعار لكن ما ينقذه حتى اليوم هو الادخار المرتفع الذي تحقق في زمن الكورونا والذي بلغ ألفي مليار دولار. بدأ المواطنون بإنفاق هذه الأموال ما يبقي الاقتصاد حيوياً لكن ليس إلى أجل طويل.

هنالك مؤشرات في أسواق العمل والعقارات بدأت تدل على وجود مشكلة ركود مخبأة. نسبة زيادة فرص العمل تنخفض كما أن نسبة ارتفاع عمليات شراء العقارات تتدنى. قال «بول سامولسون» الاقتصادي الكبير إن الركود الخفيف ليس بالضرورة سيئاً لأنه يحمي من التضخم. لكن ما هي الضوابط لهذا الركود الذي يمكن أن يتفاقم ويضر بكل شيء؟ في رأيه يجب تقييم كل المساوئ والمنافع لأي سياسات محاربة للتضخم قبل اعتمادها.

قال الرئيس بايدن إنه لا يستطيع عمل الكثير لتخفيض أسعار الغذاء والمحروقات لكنه يمكن أن يتواصل مع منتجي النفط والغاز لزيادة الإنتاج. من الممكن أن يستطيع تخفيض تكلفة الدواء والاستشفاء كما تكلفة عناية الأطفال وغيرها من الأمور المهمة تعويضاً عن التضخم النابع من الطاقة والغذاء. سيحاول بايدن القيام بكل ما يستطيع لمحاربة التضخم وحماية معيشة المواطنين تعزيزاً لفرص المنافسة ضد الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني 2024.

هنالك عاملان لم يفسرا بعد بشكل كاف هما مدى تأثر روسيا بالعقوبات الغربية وإمكانية حصول حروب نقدية بين الدول الأساسية. بدأت روسيا تتأثر جدياً بالعقوبات خاصة المجموعة الأخيرة من العقوبات الأوروبية التي تطال الأمور الكبيرة من تجارية ومالية واستثمارية. كما أن صادرات الغاز تدنت أكثر من الثلث. روسيا تتأثر، لكن العالم يتأثر كثيراً معها. حجم روسيا الاقتصادي هو 2% فقط من الاقتصاد العالمي، لكن سلعها المصدرة من غذاء ومحروقات ومعادن مهمة جداً وبالتالي تأثيرها على الأرض أكبر من حجمها. هنالك صراع روسي غربي شامل والفائز سيكون من يستطيع تحمل الأوجاع أكثر ويعالجها بنجاح أكبر وسرعة أفعل.

أما حرب العملات فكانت تمارس كثيراً في الماضي بين الدول حتى داخل أوروبا وهدفها تحسين المواقع الاقتصادية للصادرات. أما اليوم، وإذا دخلت الدول في حروب نقدية فستكون ذات خطورة مرتفعة تؤدي إلى خسارة الجميع وإن يكن بنسب مختلفة. الخاسر الأكبر من أي حروب نقدية ستكون مجموعة الدول الناشئة والنامية والأخيرة تحديداً. أخيراً التضخم هو المشكلة الكبرى المشتركة للطرفين الأوروبي والأمريكي، والحل هو في رفع الفوائد كل من جهته وهذا ما يحصل. كل هذه التحليلات والتوقعات يمكن أن تؤدي إلى التعادل بين الدولار واليورو قريباً.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfh9wzw

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"