عادي

من وحي الهجرة

23:46 مساء
قراءة 3 دقائق
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

الهجرة أساسها النية، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه». (رواه البخاري).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح لكن جهاد ونية، متفق عليه.. والمقصود لا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية لإعلاء كلمة الله تعالى.. لأن الهجرة إلى المدينة ونصرة النبي عليه الصلاة والسلام كانت واجبة على كل مسلم إلى أن تحقق الفتح المبين وتطهرت مكة من الشرك.

ومن هنا نرى الشارع الحكيم قد حدد نوعين من الهجرة: هجرة إلى الله، وهجرة لغير الله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الهجرة خصلتان، إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة. وإذا كانت الهجرة المادية تجب في بعض الأحوال، فإن الهجرة الشعورية واجبة على كل حال وفي كل حين، لأنها تتعلق بهجر ما لا يرضي الله تعالى، وهي قائمة إلى أن تقوم الساعة.

ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها». أما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية»، فالمراد بها أن لا هجرة واجبة بعد الفتح، وقد زاد مسلم «وإذا استنفرتم فانفروا».

والمسلم مكلف بأن يهجر كل ما حرم الله، وأن يهاجر إلى ما أحل الله، لأن هذا هو الهدف من استخلافه في الأرض لقوله تعالى: «وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون» (الذاريات 56)، وهل العبادة إلا طاعة الله في ما أمر، والانتهاء عن ما نهى عنه وزجر؟ ولهذا فتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باب الهجرة على مصراعيه أمام كل راغب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». (رواه البخاري)، وفي رواية ابن حبان: «المهاجر من هجر السيئات، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

والمعنى الذي حدده المصطفى صلى الله عليه وسلم للهجرة معنى عام، تمتد جذوره إلى أعماق الحياة البشرية، فتقيمها على أسس قويمة، تقوم على أساس الإصلاح والصلاح للحياة الإنسانية، والأمن والاستقرار للنفس البشرية، ولهذا كانت كلمات الحديث الشريف متكاملة في تحديد معنى الهجرة على أساس أنها عبادة ترتبط بعقيدة الإنسان وإيمانه، وعلى أساس أنها عملية بناء وإصلاح تأخذ بيد الإنسانية المعذبة إلى شاطئ الأمان والاطمئنان. فهجر ما نهى الله عنه يعني هجر السيئات والمعاصي والمفاسد القولية منها والفعلية، والتي هي الأساس في فساد البلاد والعباد، ولهذا أكّد الحديث (كف اللسان واليد)، إذ إنهما العضوان اللذان تصدر عنهما المفاسد القولية والفعلية، وإذا كانت الأعضاء سلاحاً ذا حدين يمكن أن يصدر عنها الخير كما يمكن أن يصدر عنها الشر، فإن إمكانية صدور الشر عنها أرجح من صدور الخير، ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». (متفق عليه).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s4fnukh

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"