الأرحام الاصطناعية وحلم الصين العظيم

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر*
تميزت الصين اليوم بشهرة واسعة في مجال تطوير الأرحام الاصطناعية وذلك بفضل حرصها على التفوق في كل المجالات العلمية خاصة الذكاء الاصطناعي. لكن الفكرة نفسها ليست جديدة.

ظهرت أول براءة اختراع لتصميم الرحم الاصطناعي في عام 1955، بواسطة العالم إيمانويل جرينبرج الذي تضمن تصميمه خزاناً لوضع الجنين، يوجد فيه السائل الأمنيوسي المُصنع. وآلة متصلة بالحبل السري، إضافة إلى مضخات الدم، والكلى الاصطناعية، وسخان المياه.

وفي عام 1993 حصل العالم كوبر ويليام على براءة اختراع أمريكية لنظام آخر لدعم حياة الخُدّج. وفي عام 1987، قام اكوابار وهو عالم صيني في (طوكيو) بتجربة للحفاظ على الجنين في الرحم الصناعية لفترة طويلة. وتعتبر أول تجربة علمية في هذا المجال. وفيها استخدم 14 جنين ماعز بسائل مشابه للسائل الموجود داخل رحم الأم، وهو متصل بالأكسجين من الخارج. وصفت هذه التقنية بأنها تشبه علبة بلاستيكية شفافة مستطيلة الشكل مزودة بالسائل الذي يحيط بالجنين في درجة حرارة الجسم. ومتصلة بأجهزة الوظائف الحيوية، ويتم تنظيف الدم بجهاز غسل الكلي المتصل بالحبل السري.

وفي العام 2017، كشف علماء في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، عن تقنية جديدة تتضمن تعليق الجنين في (كيس حيوي) مملوء بالسائل الأمنيوسي المُصنع.

أما في العام 2018 فقد قام باحثون من جامعة ميتشغان بتقييم ما إذا كان نمو الدماغ والرئتين يستمر بنجاح في الرحم الاصطناعية أو المشيمة الصناعية وكانت كل تلك التجارب تجرى على الحملان.

وجاءت الصين لتتفوق في هذا المجال؛ حيث قام باحثون من معهد علم الحيوان في بكين بأخذ بويضة من قرد مُخصبة إلى مرحلة التكوين في رحم اصطناعية، وهي المرة الأولى التي ينمو فيها جنين خارج رحم الأم. وفي عام 2022 طور فريق بحثي من مدينة سوتشو غربي شنغهاي رحماً مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على رعاية الأجنة البشرية في المختبر. مما سبق نجد أن هناك تاريخاً طويلاً من التجارب لتطوير هذه التقنية. وكانت تتم لأهداف إنسانية ولمساعدات النساء اللواتي خسرن أرحامهن بسبب ظروف معينة وفقدن القدرة على الإنجاب. لكن وكما نعلم وراء كل تقنية حسنة النية ظاهرياً؛ تكمن نية أخرى يمكن استغلالها في الأسوأ. إن تفوق الصين ورصدها المبالغ الكبيرة لتطوير هذه التقنية يثير أكثر من سؤال. أليست هي الصين التي أصدرت قانون الطفل الواحد عام 1978؟ أليست الصين التي عادت وتراجعت أمام فشل هذا القانون بزيادة الإنتاجية الاقتصادية وهو هدفها الأسمى، لتعود وتصدر قانون السماح فقط بطفلين فقط للعائلة الواحدة عام 2015؟ أليست هي الصين التي تعاني زيادة عدد السكان؟ لماذا تشجع اليوم على الإنجاب وتدعو إلى اعتماد الأرحام الاصطناعية؟ أسئلة كثيرة نجدها في طموح الصين لتكون الدولة الأقوى عالمياً. نعم هي الصين التي قام باحث فيها يدعى جيانكوي عام 2018 بإعلان تعديل جينات توأمين قبل ولادتهما. حيث ثار عليه العلماء في الغرب كون التلاعب بالجينات الوراثية أمراً غير مقبول أخلاقياً.

لكن الصين ورغم إعلانها أنها لم تكن تعلم شيئاً عن هذا الموضوع، أخفت حقيقة أن تمويل تلك الأبحاث يتم عن طريق حكومة الصين الشعبية. نحن نعلم أن التلاعب بالجينات الوراثية يُمَكّن من خلق أطفال بصفات بيولوجية وعقلية خاصة يختارها القائمون على هذه التقنية. إذن وضحت الصورة، من يضمن أن الصين لن تستخدم هذه التقنية لخلق جيل مُميز بقواه الجسدية والعقلية؟ من يضمن أن تكون تلك الأرحام رحيمة بمراعاتها الضوابط الأخلاقية والمعايير والقيم الدولية في الصين، التي خرجت من عباءة الشيوعية اقتصادياً لكنها لم تخرج ثقافياً؟ نعم هي نفسها الصين التي تعلم علم اليقين أن الجيل الجديد هو الغد، فتسعى بكل الطرق للحفاظ عليه وتراقب حتى الأطفال في بيوتهم وتمنعهم من الإدمان على الشاشات بتقنين ساعات الإنترنت. وهي صاحبة التطبيق الشهير (تيك توك) الذي يُشجع على المحتويات غير المفيدة وتُصدره للعالم، بينما تحتفظ بنسخة مُميزة منه تشجع على العلم والتعلم ومباريات في إجراء البحوث المفيدة وتحتفظ به لشعبها. هي إذن الدولة التي لم تنس سنوات القهر التي عاشتها وتسعى للرد عليها بأن تكون الأولى عالمياً، وتسخّر كل جهودها لتحقيق هذا الهدف.

الأرحام اصطناعية، والجينات في مختبراتها.. والحلم عظيم... وما خفي أعظم.
* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymrva9sr

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"