السياسة النقدية والنمو

22:17 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

كانت نظريات «ميلتون فريدمان» الركيزة الأساسية التي بنيت عليها السياسات النقدية. لذا وجب التنبه لنمو الكتلة النقدية منعاً لحصول التضخم الذي لا يمكن معالجته إلا عبر رفع الفوائد. هذا ما يحصل اليوم، أي سباق على رفع الفوائد القصيرة الأجل من قبل المصارف المركزية الأساسية تجنباً للأسوأ على حساب البطالة والنمو وإمكانية الوقوع في ركود قاس. لم تكن السياسة النقدية وحدها التي سببت التضخم القوي بدءاً من الخمسينات بل كانت السياسات المالية مسؤولة أيضاً وهي التي هدفت إلى تمويل الحروب والبرامج الوطنية من اجتماعية وبنية تحتية.

بدأ التضخم الجدي في الخمسينات، لكن الذروة بُلغت خلال الثمانينات مما اضطر المصرف المركزي الأمريكي إلى رفع الفوائد تماماً كما يحصل اليوم. نجحت وقتها تلك السياسات مما سبب سقوط مؤشر التضخم من 13% إلى 3%. فهل تنجح المصارف المركزية اليوم علماً أن خطر التضخم الحالي ليس أقل، وبالتالي رفع الفوائد الحذر لا بد أن يعطي النتيجة المطلوبة؟ لا شك في أن البطالة كما النمو تأثرا سلباً بسياسات الثمانينات وسيتأثران كذلك اليوم.

من الأخطاء الأساسية التي حصلت خلال تطبيق السياسات المحاربة للتضخم هي أن رفع الفوائد كان مفيداً لأكثرية القطاعات أهمها العقارات، لكن ليس للجميع كالصناعة والزراعة اللتين تعتمدان على الاقتراض للاستثمار. تجب مقاربة أوضاع القطاعات بشكل متواز. ما حصل كان تصرفاً منحازاً من قبل واضعي السياسات وإن يكن تفسيره واضحاً. إن عدم القيام بالرقابة الجدية المسبقة لمنع حصول الأزمات كان خطأ كبيراً خاصة في فترات النهوض والازدهار حيث يستفيد الجميع من الأرباح وتخف الرقابة الدقيقة الدورية الوقائية.

أما الضبابية أو السرية المعتمدة في سياسات وأعمال المصارف المركزية فترتكز على التهرب من المحاسبة، إذ لا يتم شرح الواقع للرأي العام دورياً بدقة وشفافية بل تبقى المعلومات قليلة ومجزأة. هذا يمنع على المواطنين والشركات تكوين توقعات صحيحة بشأن المستقبل. الضبابية تؤذي الاستثمارات وتمنع على المواطن التصرف بحكمة وانتباه.

هنالك مقولة منتشرة في الأسواق المالية وهي أن المصارف الكبيرة لا تسقط وهنالك دائماً من ينقذها. هذا خطأ شائع والحقيقة أن المصارف الكبيرة تسقط وأن إداراتها ليست دائماً أفضل من المتوسطة والصغيرة، وبالتالي إن سلامة الإدارة، وليس الحجم، هي الأساس. الرقابة الدورية والجدية ضرورية خاصة في زمن النهوض حيث تبنى الركائز المالية والإدارية للمؤسسات.

أزمات الدول الصغيرة ربما لا تؤذي الاقتصاد الدولي لكنها حتماً تصيب المواطن العادي في حياته ومعيشته. ما يحصل مثلاً في لبنان وسريلانكا وغيرهما موجع ومقلق للاقتصاد، ولن يتأذى عملياً إلا المواطن. يبقى الإهمال أساس الأزمات والمحاسبة تبقى ضرورية للحاضر وخاصة للمستقبل. أي نظام مصرفي ومالي لا يسهل إقراض الشركات الناشئة كما الصغيرة والمتوسطة لا يبني للمستقبل. إنقاذ أي اقتصاد لا يمكن أن يتم عبر السياسات النقدية وحدها، وبالتالي تحميل كل المسؤولية للمؤسسات النقدية ظالم ولا يعبر عن الحقيقة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3eatucrv

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"