عادي

نحن نكتب ما قدموا وآثارهم

21:52 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

دخلت ذات مرة على طلاب في الصف الثاني الابتدائي في حصة احتياط، وقلت في نفسي أحدثهم عن قصة النبي، صلى الله عليه وسلم، ليتعرفوا إلى سيرته، ويقتدوا به، وما أثار انتباهي أنني كلما كنت أذكر كلمة النبي، أجدهم يقولون بصوت واحد عقب كلامي مباشرة، صلى الله عليه وسلم، وكانت الصلاة على النبي، عليه الصلاة والسلام، تتكرر منهم عشرات المرات كلما طرق اسمه، مسامعهم، فسألت مستغرباً، من علمكم أن تقولوا هذا؟، فقال أحدهم: عندما كنا في الصف الأول، أخبرتنا المعلمة عن فضل الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، بعد أن أنهى كلامه، تذكرت قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ) يس: 12، تلك المعلمة تركت أثراً جميلاً، وبصمة لا تُنسى، وما يحدث من أجر في ميزان حسناتها إلى يوم القيامة، وهنا ماذا سيكون جوابنا لو سأل كلٌ منّا نفسه، ما الأثر الذي تركته في حياتي؟؟

إذا كنا نتمنى الحصول على الأجر والثواب مضاعفاً، فالسبيل إلى ذلك يكون بأن نترك أثراً خيّراً يستفيد الآخرون منه، ونبينا، صلى الله عليه وسلم، يقول: «من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً»، فالدال على الخير كفاعله، وكذا الدال على خلافه، ومن القصص التي تعلمناها حينما كنا صغاراً، أن شاباً شاهد فلاحاً عجوزاً قد كبرت سنه، وشاب رأسه، وغارت عيناه، ووهنت قواه، وتقوس ظهره، وكان يغرس فسيلاً، فوقف إلى جانبه مندهشاً لحماسه ونشاطه، فقال له: يا عماه كم أتى عليك من العمر؟ قال: ثمانون سنة. قال: أفتغرس فسيلاً بعد الثمانين؟ ومتى تأكل ثمره وهو لا يثمر إلا بعد عدة سنين؟ فأجاب الفلاح: (زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون)، فربما يسهم أحدنا في أمر فيه الخير للناس فحتى إن لم يستفد منه هو، فقد يستفيد أولاده أو أي إنسان ويكون ذلك صدقة جارية له، تنفعه بعد مماته، وقد ورد عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».

المسلم يزن كل عمل قبل أن يشرع فيه، ويتذكر دوماً في كل أمر، ما الأثر الذي سيترتب على ما يقوم به، وكم من زمن يفصل بيننا وبين ابن آدم الأول قابيل الذي قتل أخاه ومع ذلك كل جريمة قتل في ميزان سيئاته وميزان القاتل، لأن أثر ما قام به، انعكس على غيره، وبالمقابل كم من أجر يناله من يُعلم الآخرين الخير وقد ورد في الحديث (إنَّ اللَّهَ وملائِكتَهُ وأَهلَ السَّماواتِ والأرضِ حتَّى النَّملةِ في جُحرِها وحتَّى الحوتِ ليصلُّونَ على مُعلِّم النَّاسِ الخيرَ).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bde59yeb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"