عادي

﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾

23:03 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

إذا سمعت أباً يقول لابنه ألم أُنفق عليك المال لتتعلم وتصل إلى ما أنت فيه الآن، أليس كذلك؟ ألم أقدم لك ما أستطيع لتحقق أحلامك، أليس كذلك؟ فالسؤال الذي يرد هنا، أيهما أحق أن يسترعي انتباهنا، التأمل بما قدمه الأب لابنه، وكيف أنكر الابن ذلك الجميل؟ أم تكرار كلمة أليس كذلك؟ من المؤكد، العاقل يتفكر في الأمر الجوهري، وحينما يرد مهم وأهم، فالأولى أن نلتفت للأهم، من دون أن نغفل المهم، وإذا اتفقنا على هذا، فتعالوا إلى سورة الرحمن، تلك السورة التي تحدثنا عن خلقنا، وما وعد الله المطيع من نعيم، وما توعد المنكر من عذاب، فالأولى قبل أن نسأل عن الحكمة من تكرار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) أن نتفكر بما تحمله السورة من عظة وعبرة ثم إن نحن عقلنا ما فيها، سألنا عن الحكمة من تكرار آية إحدى وثلاثين مرة.

تكرار قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) له أسباب عدة سأذكر أربعة منها، أولها أن من عادة العرب كما يقول ابن قتيبة التكرار، وذلك بغرض الإفهام والتوكيد، والقرآن نزل بلغة العرب، فكان التكرار في هذه الآية أمراً طبيعياً، إذ إن الله بعد أن يتحدث عن عظمته ونعمه في هذا الكون، يوجه سؤالاً للثقلين الإنس والجن، لإقامة الحجة عليهما (فبأي آلاء ربكما تكذبان)، وثانيهما أن التكرار للتأسيس لكل نعمة على حدة، فالله تحدث في بداية السورة عن نعمه، ثم قال: (فبأي آلاء ربكما تكذبان)، ثم تحدث عن أمر آخر، وأسس له بقوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، ثالثهما الإعجاز، فالقرآن الكريم فيه من البلاغة وتنوع أساليب الخطاب ما أعجز العرب الذين نزل بلغتهم، فهناك تكرار للفظ والمعنى في أكثر من موضع في القرآن، سواء في نفس السورة أو في سور مختلفة، ومن الممكن أن يكون التكرار موصولاً أو مفصولاً، فالموصول عندما يذكر اللفظ في نفس الآية، مثل قوله تعالى (كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً)، والمفصول هو تكرار نفس الآية أكثر من مرة، سواء في نفس السورة أو في سورة أخرى، مثل آية (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)، وهناك تكرار للمعنى من دون اللفظ، إذ نجد أن المعنى واحد، ولكن بألفاظ مختلفة، كذكر القرآن، بأكثر من لفظ، منها الفرقان ونور والهدى، وعلى الرغم من اختلاف اللفظ فإن المعنى واحد، ورابعها أيضاً يحمل معنى إعجازياً، فالقرآن كلٌ متكامل، وسوره وآياته يؤكد بعضها بعضاً، ففي سورة الرحمن تكرر قوله تعالى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) ليذكر البشر بنعمه وفضله سبحانه عليهم ثم يذكر في سورة المرسلات عاقبة من أنكر ذلك، وكذب به على الرغم من إقامة الحجة عليه فيقول: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

عندما يقرأ المؤمن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) يشعر بالحياء من المعصية، إذ كيف يجحد نِعَمَ خالقه وهو الذي أسبغ عليه ما لا يعد ولا يحصى من النعم؟!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2fbdyesy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"