علاقات إيطاليا بجنوب المتوسط

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

تحتل دول الضفة المتوسطية مكانة رئيسية في السياسة الخارجية لإيطاليا نظراً للمصالح التي تربط روما بهذه الدول في مجال الطاقة والمبادلات التجارية، وذلك فضلاً عن التحديات الأمنية المرتبطة بالهجرة غير الشرعية وعدم الاستقرار في بعض مناطق شمال إفريقيا ودول الساحل التي تعرف مشاكل اقتصادية وسياسية عويصة ونزوحاً سكانياً غير مسبوق نحو الشمال.

ويأتي هذا الاهتمام الإيطالي بالبعد الجيوسياسي والاقتصادي للبحر الأبيض المتوسط، في إطار مقاربة أوروبية ودولية تعتبر الفضاء المتوسطي منطقة حيوية بالنسبة لمصالح الدول؛ فقد حاولت فرنسا سنة 2008 أن ترسِّخ نفوذها في ضفتي المتوسط من خلال تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي، وهو مشروع سياسي فرنسي وصل إلى طريق مسدود نتيجة لصعوبة التوفيق بين طموحات القوى الكبرى في المنطقة.

ويمكن القول إن خطط إيطاليا في المتوسط هي أقل اندفاعاً وأكثر واقعية من المشروع الفرنسي وتعتمد بالدرجة الأولى على تقوية علاقاتها بدول المنطقة من دون الدخول في مواجهة مفتوحة مع مشاريع جيرانها الأوروبيين في جنوب أوروبا سواء في شرق المتوسط أو في غربه، حيث تحتفظ روما، على سبيل المثال لا الحصر، بعلاقات متوازنة مع خصمين لدودين في المتوسط هما تركيا واليونان، على عكس باريس التي تنحاز لأثينا على حساب أنقرة، وتنخرط بشكل مباشر في الصراع الإقليمي المتعلق بالغاز في شرق المتوسط.

وتطمح روما وفقاً لكل التحاليل إلى تعزيز شراكتها من أجل أن تضمن تحوّلها إلى منصة لتصدير الغاز باتجاه بقية الدول الأوروبية، والسيطرة في اللحظة نفسها على عمليات الهجرة غير الشرعية بناءً على مقاربة تهدف إلى تعزيز الاستقرار السياسي في دول الجنوب من خلال دعم مشاريع التنمية المستدامة ورفض الخيارات العسكرية لحل النزاعات في إفريقيا، حيث اعتمدت حكومة ميلوني، مؤخراً، برنامج عمل خاصاً بالسنوات المقبلة من أجل تطوير التعاون في كافة المجالات مع إفريقيا، وذلك في سياق استراتيجية قائمة على التركيز بشكل متزايد على الجنوب لإيجاد بدائل اقتصادية يمكنها أن تعوِّض تراجع مستويات التنمية في دول الشمال، ومن ثم فإن قيام ميلوني بأول زيارة خارجية لها في مطلع سنة 2023 إلى الجزائر لم يكن من باب الصدفة، وإنما جاءت الزيارة كتأكيد أهمية هذه الاستراتيجية.

ومن ثم، فإن إيطاليا تحرص بشكل لافت على تطوير شراكتها مع دول الجنوب لاسيما في القارة الإفريقية، وتعمل على أن تكون هذه الشراكة قائمة على التنمية المتبادلة بعيداً عن سياسات القوى الاستعمارية السابقة في القارة السمراء، التي ولّدت حالة من الرفض الشعبي داخل الدول الإفريقية، كما يحدث الآن مع الوجود الفرنسي في إفريقيا، وهو وجود سبق وأن قال عنه ماتيو سالفيني نائب رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ووزير الداخلية، إنه مسؤول عن الفقر في إفريقيا وعن موجات الهجرة غير الشرعية نحو القارة العجوز نتيجة لغياب الانصاف في العلاقات الاقتصادية بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في غرب إفريقيا.

وعليه، فإن رهان روما على علاقات وطيدة ومثمرة مع الجنوب العالمي ومع الدول الصاعدة وعلى رأسها الصين هو الذي جعلها أول دولة غربية وأوروبية تنضم إلى «مبادرة الحزام والطريق» متجاهلة في السياق نفسه رفض واشنطن لهذه الخطوة، وذلك على الرغم من التصريح الذي أطلقه وزير الخارجية الايطالي أنطونيو تاياني الذي قال فيه إن انضمام بلاده إلى مبادرة «الحزام والطريق» لم يأت بالثمار المتوقعة، وتحاول ميلوني تجاوز هذه الوضعية من خلال عزمها على زيارة الصين من أجل إعادة تفعيل الشراكة مع بكين.

ومن الواضح أن إيطاليا وفضلاً عن علاقاتها المتميزة مع الجزائر في المنطقة المتوسطية، فإنها تبذل جهوداً كبيرة من أجل تطوير علاقاتها مع كل دول شمال إفريقيا لاسيما مع تونس وليبيا، إذ تعمل القيادة الإيطالية على إيجاد حل سياسي مستدام في ليبيا، وعلى تقوية استثمارات شركة «ايني» في مجال الطاقة في هذا البلد، لكي تضاعف من إمداداتها من غاز الجنوب، وتصبح بالتالي أهم مركز لنقل الطاقة نحو أوروبا على الرغم من محاولة كل من اليونان وتركيا الدخول في منافسة معها في هذا المجال.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kxaana6

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"