زلزال المغرب وأسئلة المستقبل

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

شهد المغرب ليلة الجمعة 8 سبتمبر، زلزالاً عنيفاً ضرب منطقة الحوز على بعد نحو 70 كيلومتراً من مراكش، وصلت قوته إلى 6.8 درجة على سلّم ريختر، وامتدت ارتداداته إلى عدد من المناطق المغربية الأخرى، ما خلف أضراراً جسيمة في الأرواح والممتلكات، حيث تهدمت الكثير من المباني وفقد قرابة 3000 شخص أرواحهم، فيما وصل عدد الجرحى والمصابين إلى نحو 3000 شخص، كما عمّ جو من الهلع والخوف بفعل الارتدادات التي أعقبت الزلزال، ما دفع الكثيرين إلى المبيت خارج ديارهم.

ومنذ اللحظات الأولى للكارثة، تجنّدت مصالح الوقاية المدنية والقوات المسلحة الملكية والسلطات المحلية، ووزارتا الصحة والداخلية، وغيرها من المصالح، لانتشال الضحايا، وإنقاذ المتضررين وتقديم العون إليهم.

وقد دعا الملك محمد السادس إلى التعبئة الشاملة ﻟﻣؤﺳﺳﺔ ﻣﺣﻣد اﻟﺧﺎﻣس ﻟﻠﺗﺿﺎﻣن، ﺑﺟﻣيع ﻣﻛوﻧﺎﺗها، ﻣن أﺟل ﺗﻘديم اﻟدﻋم وﻣواﻛﺑﺔ اﻟﻣواطﻧين ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﺗﺿررة، وإلى تشكيل احتياطات للحاجيات الأولية من أدوية، وخيام، وأسرّة، ومواد غذائية على مستوى الجهات في سياق مواجهة الكوارث، إضافة إلى «ﻣواﺻﻠﺔ جهود اﻹﻧﻘﺎذ والتكفل بالضحايا، بصورة مستعجلة، وإرساء برنامج استعجالي يروم إلى تأهيل المناطق المنكوبة».

وعلاوة على هذه الجهود الرسمية، برزت مبادرات تضامنية مكثفة، قادها عدد من المواطنين ومجموعة من جمعيات المجتمع المدني، في سياق التبرع بالدم، وتقديم مواد غذائية وأغطية وخيام للمتضررين.

فيما أعربت الكثير من دول العالم، إضافة إلى عدد من المنظمات الإقليمية والدولية، عن تضامنها مع المغرب في هذه المحطة القاسية، وبدأت بتقديم مساعدات مختلفة في هذا الخصوص.

ورغم تعبئة الجهود، لا تخلو عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا والجرحى من صعوبات كبيرة، مردها صعوبة التضاريس في المناطقة الأكثر تضرراً، وهي مناطق جبلية تفتقر إلى الطرق، أو تتوفر على مسالك ضيقة، علاوة على انتشار الإشاعات والأخبار الزائفة التي يلجأ إليها بعض روّاد شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما حرصت السلطات على التصدي له بقدر من الصرامة.

إن هول هذه الكارثة، يفرض اعتماد تدابير آنية على قدر كبير من النجاعة، بما يضمن إنقاذ الضحايا، وتوفير العلاج والإيواء لهم، كما أن هناك أولويات مستقبلية تفرض نفسها بقوة، في سياق الاستفادة من هذه المرحلة الضاغطة، سواء عبر تأهيل وإعادة إعمار المناطق المنكوبة، أو باعتماد سياسات تدعم تعزيز العدالة المجالية، بتوفير سبل العيش الكريم للسكان في المناطق القروية والنائية، وإنشاء البنى التحتية من طرق ومستشفيات، إضافة إلى تطوير منظومة تدبير الكوارث والمخاطر.وبحكم أن المغرب يستأثر بموقع جغرافي يجعله معرّضاً لعدد من الكوارث الطبيعية، فقد واجه محطات قاسية بفعل عدد من هذه الكوارث التي كانت كلفتها خطيرة على عدة مستويات بشرية واقتصادية، سواء تعلق الأمر بالزلازل (زلزال أكادير لعام 1960، وزلزال الحسيمة لعام 2004)، والفيضانات (فيضانات: طنجة في سنة 2008، والغرب في سنة 2009، وكلميم في سنة 2014)، والحرائق، والجفاف، وما زالت هذه الكوارث تشكّل تحدياً كبيراً، يؤثر في جهود التنمية المستدامة بالبلاد.

وبناء على ذلك، راكم المغرب تجربة مهمة على مستوى إرساء منظومة متطورة لمواجهة الكوارث والمخاطر، نذكر منها: المديرية العامة للحماية المدنية التي شُكلت عام 2008، والمعهد الوطني للجيوفيزياء، والمديرية الوطنية للأرصاد الجوية، ومركز المراقبة، كما تم إحداث صندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية بموجب قانون المالية رقم 40-08 في عام 2009، والذي بدأ بالعمل في عام 2020، وتم اعتماد استراتيجية وطنية لمواجهة مخاطر الكوارث الطبيعية (2021-2031) تحت إشراف وزارة الداخلية، كمدخل لتنسيق الجهود وتعبئة الإمكانات المتاحة لمواجهة الكوارث بسبل متطورة وأكثر نجاعة.

إن تعزيز سبل مواجهة الكوارث، يبدأ ببلورة استراتيجيات قادرة على الانتقال من مجرد تحسين الاستجابة والجاهزية في التعاطي مع هذه المحطات الصعبة، إلى سبل مستدامة تدعم ترسيخ المقاربة الوقائية التي تسمح بالتقليل من أضرارها وتداعياتها في حال حدوثها بالفعل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/274e4ydt

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"