حقيقة الأدوار في أكتوبر

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

لسنوات طويلة اختزلت حرب أكتوبر (1973) في رجلين: «أنور السادات- بطل الحرب والسلام»، ثم «حسنى مبارك- بطل الضربة الجوية الأولى».

 كان ذلك إجحافاً بالقادة العسكريين الذين خططوا ودربوا وقاتلوا، وبعضهم سيرته لامست الأساطير، كما كان إجحافاً ببطولات الجنود الذين قدموا من قلب الحياة المصرية وضحّوا بحياتهم حتى يرفع البلد رأسه من جديد.

 امتد الإجحاف إلى القادة الكبار في حرب الاستنزاف، التي كانت بروفة لحرب أكتوبر. التاريخ لا يكتب على الهوى، أو بمقتضى الأحوال المتغيرة.

 بعد خمسين سنة على أكتوبر تحتاج مصر إلى إنصاف أدوار الرجال في ملحمة الحرب، أن تتوافر أمام أجيالها الجديدة المعلومات الأساسية عن كل دور في حجمه وحدوده دون مبالغة في دور، أو تهوين من آخر.

 إنها مسألة وثائق تغيب بفداحة عن السجال العام. يحسب للرئيس أنور السادات أنه الرجل الذي تحمل مسؤولية قرار الحرب. هذا حقه دون شك. كل شيء بعد ذلك يحتاج إلى إسناد بالوثائق، لا بالدعايات.

 بحكم موقعه فإن مسؤوليته الأولى هي الإدارة السياسية للحرب. حسب شهادة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت فإن القوات المصرية ألحقت بإسرائيل حتى يوم (13) أكتوبر هزيمة عسكرية لم تكن متوقعة استدعت طلباً ملحاً لوقف إطلاق النار.

 كان ذلك اعترافاً بحقائق الموقف العسكري على جبهات القتال بعد أسبوع من الحرب. بالتوقيت نفسه مدّت الإدارة الأمريكية جسراً جوياً إلى إسرائيل ليعوضها بالأسلحة المتقدمة عن خسائرها الفادحة منعاً لانهيار كامل.الحقائق وحدها تتحدث، بقوة الوثائق والاعترافات.

 كيف خذلت السياسة بطولة الرجال في حرب أكتوبر؟

 هذا هو السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه على الرأي العام دون إجابة موثقة وكاملة. بصياغة أخرى: ما الحسابات التي حكمت تصرفات السادات في لحظة احتدام المعارك العسكرية؟

 لم يكن السادات معنياً بالتوثيق أو تسجيل المحاضر الرسمية، على عكس جمال عبدالناصر، حيث وثائق مرحلته مرتبة ومنظمة في الأرشيفات الرسمية.

 الوثائق مسألة دولة وذاكرة أمة لا يصح بأية حال تغييبها حتى تصل بعد عدد من السنين إلى الرأي العام حتى لا يكرر أية أخطاء ارتكبت في الماضي.

 هناك سؤال جوهري آخر: لماذا أبلغ السادات كيسنجر عبر قناة المخابرات الأمريكية يوم (7) أكتوبر: «إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات، أو توسيع مدى المواجهة»؟ كانت تلك الرسالة، التي حملت توقيع مستشاره للأمن القومي حافظ إسماعيل، داعية لاستغراب كيسنجر متسائلاً: «لماذا لم ينتظروا؟».

 وفق الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي كان أول من أشار إلى الرسالة الخطيرة، فإنها «لأول مرة- ربما في التاريخ كله- يقول فيها طرف محارب لعدوه نواياه كاملة ويعطيه من التأكيد ما يمنحه حرية في الحركة السياسية والعسكرية على النحو الذي يراه ملائماً له وعلى كل الجبهات».

ويُحسب لحسني مبارك صعوده لموقعه العسكري باعتبارات انضباطه وكفاءته في ظروف ما بعد هزيمة يونيو 1967. وقد بلغ دوره العسكري ذروته 14 أكتوبر 1973 في معركة المنصورة الجوية، التي تعد واحدة من ملاحم الحرب.

قبل أربعة أشهر من رحيله اختار هذا التاريخ ليطل على المصريين لآخر مرة مسجلاً شهادته عن أكتوبر في مقطع فيديو عبر منصة «يوتيوب».

 في الفيديو الأخير أشار مبارك بأكثر من موضع إلى اسم الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان القوات المسلحة في حرب أكتوبر، وهو ما لم يفعله أبداً طوال سنوات حكمه. تبنى مجدداً وجهة نظر السادات في الثغرة دون أن يأتي على ذكر فرية انهيار الشاذلي.

في تراجيديا حرب أكتوبر غاب أي إنصاف لدوري القائد العام المشير أحمد إسماعيل علي ورئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي.

 الأول، غُيّب ذكره بعد رحيله عام (1975) حتى يفسح المجال لبطل أوحد للحرب!

والثاني، شُوّهت صورته في عهد السادات وأدخل السجن في عهد مبارك وحذفت صورته من بانوراما أكتوبر، كأن رئيس الأركان لم يكن موجوداً في غرفة العمليات!

نسب إلى السادات أن الشاذلي انهار أثناء الثغرة، غير أن عبدالغني الجمسي، الذي لم يؤيد وجهة نظر الشاذلي في الثغرة وطريقة مواجهتها، نفي تلك الفرية.

فيما سجل الشاذلي والجمسي وقادة آخرون مثل اللواء عبدالمنعم واصل شهاداتهم على التاريخ، فإنه لم يتسن للمشير أحمد إسماعيل علي أن يكتب روايته للأحداث.

 المشكلة الحقيقية في النظر إلى التاريخ غلبة الأهواء على حساب الحقائق. الوثائق وحدها هي التي تنصف الرجال، هذا ما تحتاج إليه مصر لسلامة ذاكرتها الوطنية بعد خمسين سنة على حرب أكتوبر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2vupj2ha

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"