أوروبا الشرقية تتغيّر

01:01 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تقف دول أوروبا الشرقية، التي كانت سابقاً تحت العباءة السوفييتية، في موقف لا تحسد عليه، وبسبب الحرب المستمرة في أوكرانيا أصبحت في مفترق طرق، بين العودة إلى الحياد ومحاولة بناء علاقات متوازنة مع روسيا أو التبعية المطلقة لأوروبا الغربية والانخراط في السياسة الأمريكية التي لم تسفر عن أي نتيجة جوهرية حتى الآن، فيما التطورات الدولية الأخرى تضع أمامها مزيداً من العقبات.

منذ فترة طويلة تعاني دول أوروبا الشرقية انقسامات حادة بسبب دعم أوكرانيا وقضية المهاجرين وقبلهما السباق للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «الناتو»، وكلها ملفات لم تكن يسيرة التناول وتمت معالجتها في سياق أجندات سياسية معينة لأطراف من خارج الكتلة، فالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان برغبة «بروكسل» في التوسع، ونيل عضوية حلف «الناتو» كان مصلحة أمريكية بالأساس، إذ تريد واشنطن أن تمتلك ذراعاً عسكرية طولى تستخدمها متى تشاء بدل الاعتماد المفرط على قوتها العسكرية الضخمة، وقد تم استخدام ذلك في غزو أفغانستان عام 2001، وفي ضرب ليبيا عام 2011، وقبل ذلك في الهجوم على يوغسلافيا السابقة عام 1999.

ولكن بعد سنوات، وفي ظل أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، تبين لبعض النخب في دول أوروبا الشرقية أن المسارات التي حددتها أطراف من خارج تلك الكتلة، لم تكن مثالية. وما أظهرته نتائج انتخابات سلوفاكيا الأخيرة، وفوز حزب «سمير-إس دي» بقيادة رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو في الاقتراع وتكليفه تشكيل حكومة جديدة سوى تعبير عن ذلك. ولأن توجهات هذ الحزب لا تتساوق مع التوجه الغربي يصفونه ب«الشعبوي»، وذنبه أنه يطالب بوقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا وينتقد الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ولا يريد التورط بعلاقات عدائية مع موسكو.

قبل انتخابات سلوفاكيا شنت وسائل إعلام غربية هجمات على حزب فيكو، وسعت إلى تذكير أنصاره بما عاشوه هم وآباؤهم مع نظام شيوعي كانت تديره موسكو قبل انهيار الاتحاد السوفييتي عندما كانت سلوفاكيا وتشيكيا المجاورة دولة واحدة. لكن تلك الحملات لم تفلح في حرف الناخبين عن قناعاتهم، وأقبلوا على صناديق الاقتراع بكثافة حتى خرجت تلك النتيجة التي أزعجت أوكرانيا والقوى الغربية، ووضعت سلوفاكيا إلى جانب المجر بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، الذي كان يغرد منفرداً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وربما الآن أصبح في وضع مريح، لاسيما أن دولاً أخرى في تلك المنطقة تستعد لتحولات سياسية، فبولندا مثلاً، التي كانت من أكبر الداعمين لأوكرانيا، نأت بنفسها عن ذلك الخط، ربما ليس حبّاً في موسكو، وإنما انتصار لمصالح بدأت تتغير وتفرض رؤى مختلفة وتعاملاً مغايراً لما كان يجري.

بعد أكثر من ثلاثين عاماً من تحرر أوروبا الشرقية من الشيوعية، اكتشف بعض نخبها أن التحرر من الشيوعية لا يعني السقوط بين براثن الرأسمالية، والتخلص من هيمنة موسكو لا يمكن الاستعاضة عنه بالتبعية لواشنطن. ومع الوقت والوقائع تتغير القناعات. واليوم روسيا ليست شيوعية، ولكنها ما زالت حاضرة بقوة في أوروبا الشرقية ولها أنصار وحلفاء، ومن الغباء أن يفكر الغرب بغير ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3df9ne98

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"