ما تقوله الوجوه

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
على طريقة أن «المكتوب يُعرف من عنوانه»، هل يصحّ القول إن دواخل الإنسان، أي إنسان، تعرف من تعابير وجهه؟ إنه سؤال من الصعب القطع بالإجابة عنه إجابة دقيقة، أكانت بالسلب أم بالإيجاب، رغم أن تجربة البشر تشير إلى إمكانية التمييز، أو على الأقل الشعور، بأننا إزاء وجه مريح لشخص ما، ووجه «غير مريح» لشخص آخر، بمعنى أن ملامح وتعابير وجه أحدهم، أو إحداهن، قد تمنحنا طاقة إيجابية، عندما نراه، والعكس صحيح أيضاً، فملامح وجه آخر تبثّ في النفوس طاقة سلبية.

الأمر نفسه يصح على مدى دقة التخمين في طبيعة الحال النفسية لأي فرد من خلال قراءة تعابير وجهه، كأن نخلص من نظرة أولية إلى هذا الوجه، أو إلى عيني صاحبه، لنقول إنه فرح، أو حزين، أو غاضب، تبعاً لما لمحناه، لحظتها، من تعابير على وجهه. وما أكثر ما نقول عن أحد إن عينيه ذكيتان أو جميلتان، ونقول العكس عن شخص آخر، فإلى أي مدى يمكن أن نطمئن إلى صحة هذا الانطباع الأوّلي الذي ما أكثر ما يتكشف لنا أنه خادع جداً، وما أكثر ما تبدده التجربة اللاحقة من المعايشة، وتثبت عدم صحته أو دقته، فقد يكشف صاحب الوجه مريح الملامح والتعابير عن نفس دنيئة، ويكشف صاحب الوجه الذي شعرنا بطاقة سلبية عند رؤيتنا إياه في البداية، عن نفس نبيلة، خيّرة، ومن خلنا أن عينيه تنمّان عن ذكاء ليس كذلك في حقيقة الأمر، والعكس صحيح أيضاً، فالعبرة في الروح والقلب والعقل لا في الشكل أو الملامح، بصرف النظر عما تبثّه من انطباعات.

حسب عالمة أجنبية في النفس والأعصاب، اسمها ليزا فيلدمان باريت، فإن استنتاج المشاعر من حركات الوجه غير مبني على أي دليل موثوق، يمكن من خلاله توقع الحالة الشعورية لشخص ما بدقة عبر استخدام هذه الطريقة، وخلصت الباحثة إلى ذلك بعد مراجعة منهجية للأدبيات العلمية المنشورة حول الموضوع.

وبشيء من الشرح لتلك الفكرة، والوارد في مقالٍ نشرته مجلة «الثقافة العالمية» عن عجز الذكاء الاصطناعي عن قراءة المشاعر الإنسانية، فإنه، ووفق تلك الدراسة، من غير الممكن «الوصول بمنتهى الثقة إلى استنتاج الفرح من ابتسامة ما، والغضب من تقطيبة، والحزن من تجهم يكسو الوجه»، وهو ما تسعى التقنيات الحديثة لفعله، لأن من وضعوها يعتقدون أنها تطبق حقائق علمية، وما هي بذلك، فالأمر يتطلب تتبع التاريخ المعقد لما تمور به أذهان الناس من أفكار وتجارب ومشاعر، كي نصل إلى نتائج أكثر صدقية حول مدى تعبير ملامح الوجه عن حقيقتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/47t85u6c

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"