غوته يغادر أوروبا

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

يقال إن مفهوم «القوة الناعمة» دخل قاموس العلاقات الدولية عام 1990، كمصطلح يطلق على قوة الجذب والإقناع التي تسعى الدول لتحقيقها، لتقوية مكانتها، ويقال أيضاً إن هذا المفهوم يعود إلى البروفيسور جوزيف ناي، مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، حين أفرد له كتاباً يحمل الاسم ذاته «القوة الناعمة» صدر 2004.

في هذا الكتاب عرّف ناي تلك القوة بأنها «القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية أو الإقناع بدل الإرغام»، ناظراً إليه كبديل للقوة الخشنة، وتعدّ الثقافة بالذات واحدة من أهم أدوات القوة الناعمة، وضمنها يندرج التعريف باللغة القومية للبلد المعني وجذب الأجانب المهتمين لتعلمها، وكذلك التعريف بحضارة وثقافة وتاريخ هذا البلد، وكلما ازداد عمق وعراقة وثراء ومنجز ثقافة الأمة المعنية، وتطوّرها العلمي والابتكاري، كانت خطواتها نحو اكتساب القوة الناعمة أكبر وأسرع.

في هذا الإطار، نقرأ خبراً عن توجه ألمانيا، وهي الدولة المشهود لها بأوجه قوتها الناعمة، إلى إغلاق سبعة فروع لمعاهد غوته الثقافية، بينها ثلاثة أفرع في فرنسا وحدها، وكذلك في مدن إيطالية، إضافة إلى فرع في هولندا وآخر في واشنطن، رغم إدراك ألمانيا أن شبكة هذا المعهد في الدول الأخرى إحدى ركائز الدبلوماسية الثقافية واللغوية الألمانية، وفق مسؤولة كبيرة فيها، أخذاً بعين الاعتبار إسهامات ألمانيا في الثقافة الإنسانية، في الفلسفة والأدب والموسيقى، وليس مصادفة أن المعهد حمل اسم غوته الذي يعدّ، بالنسبة للألمان والعالم، «سفيراً عابراً للأزمنة والحدود»، وترجمت أعماله إلى مختلف اللغات بما فيها لغتنا العربية.

خطوة إغلاق الفروع في أوروبا أصبحت محل استغراب، حتى إن الرئاسة الفرنسية أعربت عن أسفها للقرار، فيما نظر آخرون إليه بوصفه «ضربة جديدة للثنائية اللغوية» في بعض البلدان التي تتحدث الألمانية، إضافة إلى لغتها الرسمية المعتمدة. ويذكر أن معهد غوته الذي يرمي إلى نقل صورة إيجابية عن ألمانيا بعد الحرب، اهتمّ منذ تأسيسه بتقديم دورات لتعليم اللغة الألمانية داخل ألمانيا وخارجها، وفي عام 1952 تمّ افتتاح أول فرع لمعهد غوته في أثينا، ليلي ذلك افتتاح فروع أخرى في مدن أخرى بينها مومباي، وحتى في ألمانيا نفسها تمّ تقديم دورات تعليم اللغة الألمانية في أماكن توصف بالشاعرية.

ويبدو أن إحدى غايات إغلاق بعض الفروع في أوروبا عزم المعهد تعزيز حضوره في أوروبا الوسطى والشرقية والقوقاز وجنوب المحيط الهادئ ووسط الولايات المتحدة، وسط معطيات عن استمرار عدد الطلاب الذين يتعلمون لغة البلد الآخر في الانخفاض في كل من فرنسا وألمانيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvpp4xnj

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"