مستعمرات إفريقيا النووية

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

أصبحت دول جنوب الصحراء الإفريقية الخارجة للتو من عباءة الهيمنة الفرنسية على وشك أن تمتلك الطاقة النووية السلمية، بعدما أبرمت بوركينا فاسو اتفاقاً لبناء محطة نووية لتوليد الطاقة الذرية مع روسيا التي أعربت أيضاً عن رغبتها في إنشاء بنية تحتية مماثلة في مالي. ومثل هذه الإنجازات لم تكن مثل هذه الدول الفقيرة تحلم بها، على الرغم مما تمتلكه من ثروات هائلة من المعادن المساعدة على توليد الطاقة النظيفة.

قد يقول قائل إن هذه الإعلانات قد تدخل في سياق المزايدات السياسية ضمن التنافس الكبير بين روسيا والقوى الغربية في إفريقيا، لكن ذلك لا يعني عدم حاجة الدول الفقيرة إلى تطوير بناها التحتية والاستفادة من مصادر طاقة جديدة تنسجم مع التوجهات العالمية لمواجهة الاحتباس الحراري. وإذا كانت الدول الإفريقية توسم دائماً بالتخلف عن التقدم العلمي والتكنولوجي، فليس ذلك بسبب عجزها عن اللحاق بالركب، وإنما بسبب عدم تلقيها مساعدات جوهرية من الخارج تمكّنها من تغيير حالها وخلق فرص للتنمية والنهوض الاقتصادي. ولم تستفد في هذا الإطار من تحالفاتها السابقة مع دول كبرى مثل فرنسا، التي تنتج ثمانين بالمئة من كهربائها من الطاقة النووية، كما ظلت لسنوات تحتكر الاستثمار في مناجم اليورانيوم، خصوصاً في النيجر لتغذي به مفاعلاتها، لكن باريس لم تفكر، طيلة عقود، في إنشاء مفاعل نووي سلمي للنيجر أو غيرها من الدول الإفريقية الأخرى التي كانت يوماً ما من مستعمراتها.

أن تصبح بعض المستعمرات الإفريقية السابقة دولاً مسلحة بالطاقة النووية السلمية لم يعد أمراً مستحيلاً في ظل تقلبات بدأت تخل بالتوازنات الموروثة منذ سنوات طويلة. ومن حق القارة السمراء، التي لا تضم دولة نووية باستثناء جنوب إفريقيا، أن تتقدم وتزدهر وتحقق لشعوبها ما تتطلع إليه من نهضة ورخاء، وتعوض ما عاشته من تهميش وحرمان بسبب السياسات الاستعمارية السابقة، وبسبب النظرة القاصرة للمؤسسات المالية الكبرى التي يهيمن عليها الغرب ويوظفها دائماً لخدمة مصالحه وتوجهاته، رغم الشعارات المرفوعة والخطط المعلنة عن حقوق الانسان في التنمية والكرامة والاستفادة من ثروات موطنه.

حقيقة أن إفريقيا مازالت متخلفة عن الركب الحضاري، همست به المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المنعقدة في مراكش المغربية، فقد قالت هذه السيدة البلغارية، «إذا أردنا أن يكون القرن الحادي والعشرين مزدهراً نحن بحاجة إلى إفريقيا مزدهرة»، والوجه الآخر من هذا الاعتراف أنه ليس هناك اهتمام بمشاكل القارة الإفريقية من جانب المؤسسات الدولية الخاضعة للغرب، وهو ما دفع إفريقيا إلى أن تدير ظهرها ل«الأصدقاء القدامى» وتبحث عن الشراكة مع الوافدين الجدد، خصوصاً روسيا والصين.

وطالما لم يحدث العكس، فإن موسكو وبكين تتوغلان في إفريقيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتتجنبان السقوط في الأخطاء التي ارتكبها السابقون. وما جحدته فرنسا عن مستعمراتها الإفريقية لعقود، ها هي روسيا مستعدة لفعله سريعاً لأن العالم الجديد يتطلب إعادة بناء العلاقات بين جميع أطرافه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/28a4tu5s

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"