د. عارف الشيخ
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوالد إذا قتل ولده، فإن الوالد لا يقتل قصاصاً؛ إذ لا يقاد الأب من ابنه كما رواه البيهقي في «السنن» ج8، حديث 38.
وفي الحديث عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: لا تقام الحدود في المساجد ولا يقتل الوالد بالولد. رواه الترمذي، ويقول العلماء: إن سر عدم قتل الوالد بالولد هو الجزئية، فتجب على الأب القاتل الدية في ماله، ويقاس على الوالد الجد والأم عند جمهور الفقهاء.
أما لو قتل الولد أباه فيجب القصاص باتفاق الجميع أيضاً، لأن الوالد كان سبباً في حياة الولد، فلا يعقل أن يكون الولد سبباً في قتل والده، لكن هناك قول للمالكية إن الأب لو تعمّد في قتل ولده واعترف هو بنفسه، يقتل به قصاصاً لانتفاء الشبهة التي ذكرناها سابقاً، ولا يستطيع أن يغير كلامه فيقول: قتلته خطأ، انظر: «بدائع الصنائع»، ج7- ص235، و«حاشية الدسوقي»، ج4- ص242، و«المهذب» للشيرازي، ج2- ص174، و«المغني» لابن قدامة، ج7- ص667.
وفي قتل الوالد لابنه روي حديث آخر أيضاً عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قتل رجل ابنه عمداً، فرفع إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فجعل عليه مئة من الإبل، ثلاثين حقة، ثلاثين جذعة، وأربعين ثنية، وقال: لا يرث القاتل، ولولا أني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول لا يقتل والده بولده لقتلتك.
أقول: هذا الحديث لم يتفق المحدثون على صحته؛ بل رواه الترمذي وقال عنه إنه ضعيف، لكن حسّنه الأرناؤوط في «تحقيق المسند»، وصحّحه الألباني في «إرواء الغليل».
ويقول ابن عثيمين: والدليل على أن الوالد لا يقتل بولده الحديث المشهور: لا يقتل والد بولده، ولكن الظاهر أن ما ذهب إليه الإمام مالك أقرب إلى الصواب، فالوالد إذا تعمّد قتل ابنه يقتل، وإلا لكان كل واحد يحمل على ولده لا سيما إذا كان والداً بعيداً مثل الجد من الأم، فيقتله ما دام لا يقتص منه، انظر: «الشرح الممتع» لابن عثيمين، ص14- 43.
ويرجع بعض العلماء قتل الوالد بابنه لسبب آخر أيضاً وهو سبق الإصرار على الجريمة، ولا يبرر ساحته بالقول إن الأب كان سبباً في حياته، فلا يعقل أن يكون الابن سبباً في إعدامه، لأن الابن والبنت ليسا سبباً في إعدام الأب في هذه الصورة، وإنما ارتكاب الأب الجريمة كان سبب إعدامه، انظر: «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي، ج2- ص250.
