الحرب والاقتصاد

00:45 صباحا
قراءة دقيقتين

أحمد مصطفى

هناك عناوين كثيرة مثيرة في الصحافة الاقتصادية في الأيام الأخيرة، تدور كلها حول التبعات الاقتصادية للحرب بين اسرائيل والفلسطينيين، واستمرار قصف قطاع غزة، واحتمالات توسع الحرب في المنطقة لتشمل صراعاً آخر مع لبنان. ورغم أن الأرقام والبيانات في بعض تلك الأخبار صحيحة، إلا أن هناك مبالغة كبيرة في التحليل الذي تغلب عليها لغة «الإنشاء» والتهويل.

فبالنسبة إلى طرفي الصراع، لا يمكن القول إن هناك «اقتصاداً فلسطينياً» بالمعنى المعروف، حتى أن قطاع غزة لا ينطبق عليه ما يمكن تطبيقه على السلطة الفلسطينية في رام الله، بالضفة الغربية وحكومتها. ولأن أغلب الإعلام العربي إنما ينقل عن الإعلام الغربي، فالتركيز هو على الاقتصاد الإسرائيلي. وتجد كل منفذ إعلامي يتناول الوضع من زاوية مواقفه المسبقة؛ بين من يهوّل بتصدع الاقتصاد الإسرائيلي، ومن يحسب أضراراً متوقعة في حال توسع نطاق الحرب، قد تؤدي إلى أزمة اقتصادية في إسرائيل.

نعم، هبطت قيمة العملة، واضطر البنك المركزي لضخ عشرات مليارات الدولارات لدعمها، ولم يتوقف الهبوط بعد. لكن الحقيقة أن العملة الإسرائيلية في تراجع مستمر منذ بداية العام خاصة، أمام الدولار، بسبب سعر الفائدة الأقل، مقابل الفائدة الأمريكية. ثم إن البنك المركزي لم يضخ سوى نحو ربع احتياطياته الأجنبية، وما زال لديه منها ما يكفي لتغطية الواردات، والتمويل لأكثر من عام. فضلاً عن توقعات انسياب الأموال من أمريكا وأوروبا في شكل دعم مالي مباشر، أو غيره.

أما التأثير الأوسع في الاقتصاد العالمي، فحتى الآن لم ترتفع أسعار النفط بالشكل الكبير الذي يمكن أن يضر بفرص النمو، أو يعيد ارتفاع معدلات التضخم بالشكل الذي يؤدي إلى ركود.

وبالتالي لم تضف الحرب في المنطقة الكثير لعوامل تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي التي نشهدها، منذ العام الماضي. بالطبع لا يمكن التقليل من تأثير الحرب، خاصة أن كل روح بشرية تزهق فيها قد لا تقدّر قيمتها بأي مال. لكن في الاقتصاد، وبالأرقام الباردة ليس هناك تأثير كبير بعد يختلف عما يعاني منه الاقتصاد العالمي منذ أشهر.

الخلاصة، أن الحرب الحالية في منطقتنا أقل تأثيراً بكثير في الاقتصاد العالمي من حرب أوكرانيا، حين بدأت مطلع العام الماضي، ومن العقوبات غير المسبوقة التي فرضها الغرب على روسيا، وحتى من تأثير محاولة الحصار الأمريكي على الاقتصاد الصيني – ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأمريكي.

ربما يمكن القول إن الحرب الحالية، حتى لو توسعت، قد لا تكون ما يحتاج إليه الاقتصاد العالمي فعلاً للخروج من أزمته التي تسبق وباء كورونا. فمنذ الأزمة المالية العالمية في 2008 وكل الإجراءات التي اتخذت كحلول للأزمة لم تعالج الاختلالات الهيكلية في النظام العالمي.

ومن دون مبالغة، أتصور أن الاقتصاد العالمي بحاجة إلى صدمة أكبر بكثير كي يبدأ عملية «إصلاح اضطراري»، والانتقال إلى مرحلة جديدة. صدمة بحجم الحرب العالمية الثانية التي نقلت الرأسمالية إلى مرحلة جديدة، ربما نشهد نهايتها الآن. فقد كانت الحرب سبب بروز القوة الأمريكية كاقتصاد رائد عالمياً، استفاد من انهيار الاقتصادات التقليدية في أوروبا، من بريطانيا وفرنسا إلى ألمانيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/35zz4fh3

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"