عادي
الأزمات الاقتصادية تقرّبه مرة أخرى من «10 داوننغ ستريت»

هل يعود «حزب العمال» إلى حكم بريطانيا؟

22:50 مساء
قراءة 6 دقائق
7
5

د. أيمن سمير

تقول كل المؤشرات إن حزب العمال البريطاني بات أقرب من أي وقت مضى للعودة إلى «10 داوننغ ستريت»، وهو مقر الحكومة البريطانية، عندما تجرى الانتخابات البرلمانية في نهاية العام المقبل، ففي أستطلاعات الرأي، وكذلك في الانتخابات المحلية التي جرت في مايو/ أيار الماضي، قدم حزب العمال أداء مذهلاً، ما يؤكد أن الحزب يقترب من تكرار سيناريو «توني بلير»، عندما فاز العمال بقيادة بلير في الانتخابات المحلية عام 1995، وبعدها بعامين اكتسح حزب العمال الانتخابات البرلمانية عام 1997 وظلوا في الحكم 13 عاماً، حتى 2010، فخلال 3 استطلاعات رأي متتالية كان آخرها في الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي، تفوق حزب العمال على المحافظين بنحو 14 نقطة كاملة، وحصل الحزب على 42% من أصوات الناخبين مقابل 28 % فقط للمحافظين.

تتفق آراء الكثير من قادة حزب العمال على أن زعيمهم، كير ستارمر، نجح بامتياز، في «استثمار الأخطاء الكثيرة» التي وقع فيها حزب المحافظين منذ عهد بوريس جونسون، وتريزا ماي، وليز تراس، وريشي سوناك، وآخرها الإضرابات الكثيرة في قطاعات السكك الحديدية والمطارات والتعليم والصحة، وغيرها، بعد أن وصل التضخم لمستويات قياسية، وخوف رجال الأعمال من ارتفاع نسبة الفائدة ل 7 %

ويراهن حزب العمال على الإنجازات التاريخية التي ما زال يتذكرها البريطانيون جيداً، عندما نجح رئيس الوزراء العمالي الأسبق، توني بلير، في التوصل لاتفاق «الجمعة العظيمة» عام 1998 الذي أنهى نحو 30 عاماً من العنف مع الجيش الجمهوري الأيرلندي، وتحقيق ما سمي ب«حقبة النمو والسعادة» التي استمرت 10 سنوات، مع توني بلير، من 1997 حتى 2007

لكن على الجانب الآخر، يقول جزء من الشارع السياسي البريطاني إن العزف على أخطاء الحزب الحاكم، «المحافظون»، غير كاف للحصول على ثقة البريطانيين لتشكيل الحكومة القادمة، وأنه يتوجب على حزب العمال الذي تأسس عام 1900، وشكّل الحكومة لأول مرة عام 1929، يتوجب عليه تقديم «مقاربة» سياسية واقتصادية مختلفة عن المحافظين، خاصة في ملفات الضرائب، والهجرة غير الشرعية، والتعامل مع المعدلات العالية للتضخم، وانخفاض معدلات الناتج القومي التي قادت لتراجع الاقتصاد البريطاني من الاقتصاد الخامس إلى السادس عالمياً، فهل باتت بريطانيا أمام حقبة جديدة من حكم «حزب العمال»؟ وإذا كان العمال يراهنون على تكرار تجربة توني بلير، فهل يمكن أن تحدث أي مفاجآت عكس الأرقام التي تقولها استطلاعات الرأى؟. وما مدى قدرتهم على التغلب على كل المشاكل، الاقتصادية والسياسية، التي تعصف ببريطانيا والعالم؟

صعود العمال

ساهمت سلسلة من الأسباب الموضوعية، وحتى الشخصية التي تتعلق بشخصية زعيم العمال، كير ستارمر، في تصدر حزب العمال كل استطلاعات الرأي، وبشكل ثابت ومستدام، حتى بعد تولي ريشي سوناك رئاسة الحكومة البريطانية، ومحاولة إصلاح الفوضى التي عمت البلاد خلال 6 أسابيع من حكم ليز تراس، ويعود هذا الزخم في صعود وتصدر حزب العمال إلى عدد من الأسباب، وهي:

أولاً: «وسطية كير ستارمر»

نجح زعيم العمال، كير ستارمر، الذي تولى رئاسة الحزب خلال إبريل/ نيسان 2020 في الخروج من الفوضى التي تركها له سلفه جيرمي كوربن، في الحزب، بعد أن قرر ستارمر «تعليق عضوية» كوربن، ثم قام «بطرده نهائياً» من الحزب، وقد وجد هذا القرار الشجاع دعماً كبيراً من الأعضاء المسجلين في الحزب، والذين بلغوا في عام 2022 أكثر من 400 ألف، وهو قرار ينظر إليه ليس فقط بأن «المسار الإجباري» للخروج من أزمة قادت لأسوأ أداء في تاريخ العمال خلال نصف القرن الأخير، بل لأن ستارمر أعاد من خلال هذا القرار الجريء، حزب العمال إلى «منطقة الوسط»، من خلال التعهد بعدم الإنفاق الحكومي المفرط عند تولي رئاسة الحكومة، على غرار الحكومات العمالية والديمقراطية الاشتراكية السابقة، لكن تأكيد ستارمر على أن والده كان يعمل في الأدوات البسيطة، وأمه جوزفين كانت ممرضة، جعل القاعدة العمالية الصلبة تتمسك به، وتدافع عنه، وفي مقدمة هؤلاء رؤساء وزراء سابقون، مثل جوردن براون، وتوني بلير، وعمدة لندن صادق خان، وكلها أمور جعلت الكثيرين يقارنون بينه وبين كير هاردي، أشهر زعيم في تاريخ حزب العمال، حيث أطلق والد ستارمر إسم «كير» على ابنه خريج أوكسفورد، إيماناً بأن «كير ستارمر» سوف يسير على خطى كير هاردي، ولهذا يفضل الشعب البريطاني تولي ستارمر رئاسة الحكومة بنسبة 28 %، بينما حصل ريشي سوناك رئيس الوزراء الحالي على 23 % فقط، ورغم كل هذا الدعم لستارمر، إلا أنه يتعرض لانتقادات هائلة، من اليمين واليسار، بسبب تموضعه في منطقة «الوسط»، ويقولون عنه أنه يتبع نهجاً يتشابه مع نهج توني بلير الحذر، وهو أمر يعارضه معاً، كل من اليمين واليسار البريطانيين.

ثانياً: «تراجع التأييد لبريكست»

النتائج التي يحققها حزب العمال ما هي انعكاس لتراجع التأييد والدعم «للبريكست» التي قادها المحافظون، وأدت هذه السياسية لخسائر بريطانية على كل المستويات، من تراجع الاستثمار، إلى خسارة لندن الأسواق الأوربية، وعدم وفاء الولايات المتحدة بتعويض بريطانيا عن الخروج من «البريكست»، إضافة إلى الخسائر الهائلة في كل القطاعات، التجارية والاقتصادية، ما أدى لتحول مناطق كانت في السابق داعمة ومؤيدة «للبريكست» والمحافظين، نحو حزب العمال، ويقدم حزب العمال «مقاربة مبدعة» حول «البريكست»، ويقول إنه لن يدعو للعودة مرة أخرى للاتحاد الأوربي، لكنه سوف يعمل على تحسين شروط «البريكست» من خلال التفاوض على مزايا جديدة للبريطانيين، وبناء علاقة أفضل لبريطانيا مع الاقتصاد الأوروبي.

ثالثاً: «الصورة السلبية للمحافظين»

الحكومة الحالية التي يقودها المحافظون تعاني من صورة سلبية لدى المواطن البريطاني بعد 13 عاماً من البقاء في السلطة، منذ نهاية حكم آخر حكومة للعمال عام 2010 برئاسة جوردون براون، وعصفت أزمات كثيرة بالمحافظين، مثل «بارتي جيت»، وارتفاع الأسعار، ونقص السلع في الإمبراطورية السابقة التي كانت لا تغيب عنها الشمس، ورغم سعي ريشي سوناك لتغيير هذه الصورة من خلال العمل باحتراف، إلا أن الكثير من وزراء الحكومة البريطانية الحالية يعتقدون أنه «فات الأوان» لتغيير نظرة الشارع البريطاني في الحكومة الحالية، وفي أداء المحافظين، ولهذا خسر المحافظون مقعدين في آخر انتخابات محلية، وهو مؤشر واضح على تراجع الثقة بالمحافظين، وصعود كبير لحزب العمال.

رابعاً: «الواقعية الاقتصادية»

أكثر الدوافع التي تجعل الناخب البريطاني يثق بستارمر، وفريقه، قدرة ستارمر على تقديم خطط وخطب تبدد المخاوف الراسخة لدى الأحرين، عن تاريخ العمال في الحكم، فهو يعلم أن غياب العمال عن الحكم لمدة 13 عاماً يعود لأخطاء سابقة، وتصورات عن العمال، في مقدمتها أن حزب العمال يفرض ضرائب باهظة، وينفق أموال الضرائب للحصول والفوز بثقة الناخبين بغض النظر عن أهمية هذا للاقتصاد البريطاني، ولهذا قدم ستارمر مقاربة اقتصادية جوهرها «الواقعية»، وتبديد المخاوف من إنفاق حكومي كبير، عندما قال أنه لن يزيد النفقات، إلا تلك التي لها «تمويل واضح وجاهز»، وليس على حساب الاقتصاد، أو من الضرائب الجديدة، ويغازل ستارمر مجتمع رجال الأعمال من خلال الحديث عن فتح أسواق جديدة لبريطانيا مع التكتلات الاقتصادية الأخرى، مثل الكومنولث البريطاني، وتعزيز الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، وتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة، ورواد الأعمال والشركات الناشئة، ولهذا قال ستارمر إنه سوف يعطي الأولوية للنمو الاقتصادي، وخلق الثروة، والإصلاح الكامل للخدمات العامة

عثرات في الطريق

رغم كل العوامل الإيجابية التي تحيط بحزب العمال، إلا أن هناك الكثير من المخاوف التي تعرقل سعي ونجاح حزب العمال للعودة مرة جديدة للحكم في عام 2024، وأبرز تلك العراقيل هي:

1 -«تحديات غير مسبوقة»

رغم التفاؤل بقدرة العمال على تكرار الإنجازات التي حققها توني بلير، إلا أن الواقع الاقتصادي أكثر قتامة من وضع الاقتصاد البريطاني عندما تولى توني بلير رئاسة الحكومة، فعلى سبيل المثال كان الدين العام يمثل 37 % من الناتج القومي لبريطانيا، بينما حالياً يبلغ الدين العام نحو 100 % من الناتج القومي للبلاد

2 -«التنكر للاشتراكية»

يتهم البعض زعيم حزب العمال بالتنكر للأخلاقيات الاشتراكية، وأنه تخلى عن الكثير مما قاله قبل انتخابه لرئاسة الحزب، وأنه سوف يكرر هذا التنكر حال توليه رئاسة الحكومة، لكن الداعمين لستارمر يقولون إنه ما زال يلتزم بتلك الأخلاقيات من خلال رؤية الحزب التي تدعم، بشكل صارم، إنهاء ما يسمى «بالسقف الطبقي»، عبر العمل على تحسين جودة الحياة لدى مختلف الطبقات والسكان.

3 -«خطايا الماضي»

تقوم خطة المحافظين في مهاجمة ستارمر، والنيل من حزب العمال، بالبحث في صفحات الماضي خاصة علاقات العمل لدى ستارمر الذي كان محامياً مشهوراً، ويقول المحافظون إنه عمل من أجل شخصيات وشركات فاسدة وإرهابيين، لكن هذه الهجمات لم تنل بعد من ستارمر، لكن هناك توقعات بأن وتيرتها سوف تزيد كلما اقتربنا من الانتخابات، ويأمل حزب المحافظين أن يتكرر سيناريو «جون ميجور» عام 1992 عندما فاز ميجور والمحافظون بشكل مفاجئ، وغير متوقع على حزب العمال وزعيمه أنذاك نيل كينوك، رغم أن استطلاعات الرأى وقتها كانت في مصلحة العمال، كما أن بريطانيا كانت تعاني وقتها من ضغوط اقتصادية تتشابه مع الظروف الحالية.

لا يخفي حزب العمال الخوف من عودة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للحكم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أي بالتزامن، أو قبل الانتحابات البريطانية، ما سيكون له تأثير كبير في مجريات الانتخابات في بريطانيا، فالمعروف أن ترامب يفضل التعامل مع الأحزاب المحافظة، ولهذا ينسق كير ستارمر، مع الزعماء الأوربيين من الآن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/28r8jn82

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"