تداعيات بنيوية في الثقافة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

ألاَ يذهلك حضور الميراث الثقافي في حياة اليابانيين والصينيين؟ الفوارق السلوكية الذهنية والنفسية وحتى الاجتماعية، شديدة التفاوت بين الشعبين، ولكنهما يلتقيان إلى حدّ التماهي في عناصر وعوامل مشتركة محورية جوهرية. لك أن تَعُدّ هذه السمات والصفات في عداد الخصال التي تستحق الدراسة.

يقيناً، تلك السلوكيات نبتت ونمت في تربة ثقافية تربوية فردية ثم أسرية فاجتماعية. تأمّل المقولة الرباعية المأثورة عن كونفوشيوس: «الفرد الجيّد يصنع الأسرة الجيّدة، والأسرة الجيّدة تصنع المجتمع الجيّد، والمجتمع الجيّد يصنع الدولة الجيّدة». من الطريف في اللغة الصينية أن قواعدها ذات طبيعة أسريّة اجتماعية. هذه الظاهرة الجديرة بالتقدير موجودة في دول الشرق الأقصى مثل كوريا واليابان المتأثّرتين بالتعاليم الكونفوشيوسية. أمّا في اللغات الأوروبية والجزيرية والأفروآسيوية، فمن المستبعد وجود تلك الملامح والمعالم. في تركيب الجملة الصينية تأتي الأولويّة للأهمّ ثم المهمّ فما دون ذلك، أي الكبير تدرّجاً نحو الصغير فالأصغر. المثال أوضح في التأريخ، يقولون 2023 أكتوبر الخامس والعشرون. كأنك تقول: الجدّ، الأب، الابن.

هذا النظام الذي يمكن أن نصفه بأنه «أبويّ»، من حيث احترامه الأكبر سنّاً، حتى في أولويّة الأكل والتكلّم، انتقل إلى النظم الإدارية وسلّم المراتب فيها، وأهمّية انعكاس ذلك على الانضباط ودقته، في مؤسسات القطاعين العام والخاص. على العقل العربي الجمعي أن يدرك أن العناصر المذكورة كلّها أجزاء لا تتجزأ من نسيج ثقافة الفعل في الحياة العامة. تأمّل ذلك كمحرّك تنمويّ فعّال.

مجمع الخيوط التي رمى إليها القلم هو أن قلب الثقافة يجب أن يكون نابضاً يضخ دماء الحياة، يغذّي الدماغ وينعشه. تسمّرت ثقافتنا في فاعلاتن فاعلات، حرفتنا الكلمات الساحرات. أهل الشرق الأقصى في اليابان والصين وكوريا جعلوا الفنون القتالية في صميم تربيتهم الروحية وتكوينهم العقدي، فكان السيف رمز قوة وتوازن نفسي، في التيكواندو الياباني والتسييف الصيني. عناق بين القوة الجسدية والتصوف إلى يومنا هذا. في تاريخنا الحديث لم يبق ولا حتى1% من الخمسمئة مرادف للحسام يواجه به الإنسان النوائب. المسألة أبعد من ذلك ثقافيّاً، فاليابان هي البلد الوحيد الذي صدرت فيه ثلاثمئة دراسة لكتاب «هكذا تكلّم زرادشت» للفيلسوف الألماني نيتشه، الذي محوره السوبرمان. ألم يكن من الضروري أن يستلهم العالم العربي ولو مئة بحث في موضوع «الإنسان الكامل» لمحيي الدين بن عربي؟ الإنسان الكامل أعظم من السوبرمان

لزوم ما يلزم: النتيجة الشعرية: قال القلم إنه حتى اليوم لم يفسّر أحد مطلع ابن زيدون على نحو سياسي يسأل فيه عن سبب التفكك العربي: «أضحى التنائي بديلاً من تدانينا.. وناب عن طيب لقيانا تجافينا».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/39anc3cn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"