الحلقة الثقافية المفقودة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يستطيع اللغويون بالذات والأدباء والمثقفون عموماً ألاّ يكترثوا لمصير اللغة العربية في فسيفساء الخريطة الحالية؟ النقطة الحرجة هي أن مَواطن العطب في ازدياد. ثمّة عشر دول عربية، لا يمكن أن يكون لديها وقتٌ أو دورٌ أو ظروفٌ سانحةٌ للتفكير في حاضر العربية ومستقبلها: اليمن، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، السودان، الصومال، جيبوتي، جزر القمر، ليبيا.

من بين تلك البلدان أركان أساسيّة في صرح اللغة العربيّة. لكن التصدعات خرجت عن الحصر والإحصاء، والآن على النخب الفكرية أن تدرك انعدام الجدوى في البحث عن الزمن الضائع، الذي لم تتنبّه فيه لمسألة أن الشعيرات الأولى منذ ظهور التشقّقات في جدار سلامة اللغة، إنما هي إشارات وتنبيهات لما هو أدهى، أي بدايات ضعف المناعة في الهوية، وتحلل الرباط الذي يشدّ الأنسجة والأعضاء بعضها إلى بعض.

لا ينبغي لعاقل الفصل بين اللغة والثقافة. لا حاجة إذاً إلى التدليل على أن الثقافة العربية اليوم ليس لها مركز جاذبية في العالم العربي. لقد تقلّص دورها إلى الحدود الدنيا من النشاط الأدبي والفني. أن يقتصر الأمر على ظهور تجارب في الشعر والقصة والتشكيل، فهذه محاولة سدّ رمق لا تليق بثقافة أربعمئة مليون عربي ينتمون إلى اثنين وعشرين بلداً، وتربطهم أواصر تتجاوز الأدب والفن. أليس ضروريّاً أن تفكر النخب الفكرية بالذات في أن الثقافة العربية، منذ التاريخ الحديث، أو قل منذ مطلع القرن العشرين، شهدت فترات ازدهار في الآداب والفنون، ونجومية ثقافية لروّاد في كل مكوّنات الثقافة، ما كان يوحي بأن الصلات الثقافية متألقة جامعة في أروع صورها؟ بل في عقود معيّنة كان المشهد يلوح وكأن الثقافة العربية لها مركز جاذبية تدور حوله المنظومة العربية من الماء إلى الماء.

عند التأمل الفاحص يتبيّن لنا أن تلك المنظومة كانت تربطها لُحمة غير قائمة على أسس عضوية تشمل كل مجالات الحياة، لكنها تسرّ الناظرين. لقد اتضح في الخمسين سنة الأخيرة أن الصمغ الثقافي لم يكن عروة وثقى لا انفصام لها. سامح الله القلم، وصف المنظومة الثقافية العربية بأنها كانت تشبه الإطار المثلث في البلياردو، وُضع جانباً، وما هي إلاّ ضربة واحدة، فإذا الكرات كلٌّ في طريق، وكلَّ يوم كانت الأوضاع تزداد تشظياً. في الفيزياء الفلكية، لكي يتجمّع شتات المادّة، ويتكثف وترتفع حرارتها بفعل الكثافة والضغط لتولد شمس جديدة، يتطلب الأمر جاذبيّة مركزيّة. إنها الحلقة الثقافيّة المفقودة.

لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: لكي تصير الثقافة شبكة شرايين، تحتاج إلى منظومة قيم حيوية، لا إلى باقة شعارات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2sprrkcx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"