عادي
قراءات

سلطان مؤرخاً... في الماضي تكمن الحقيقة

00:03 صباحا
قراءة 11 دقيقة

الشارقة: علاء الدين محمود

قد يبرع بعض المؤلفين وربما يتخصص بعضهم في مجال معين من الكتابة، غير أن هناك من يمتلك القدرة على الولوج إلى عوالم كتابية وإبداعية متعددة بكل اقتدار، ومن ضمن هؤلاء يبرز بقوة اسم صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، الذي خاض تجارب عدة من المعارف والكتابة في صنوف وأنماط مختلفة؛ مثل: التاريخ والرواية والمسرح، وحتى كتابة الشعر، ولعل الخيط المشترك بين كل تلك الأجناس التي برع فيها سموّه، هي المادة التاريخية؛ فالرواية والعمل المسرحي عنده، ينهضان برافعة التاريخ، عبر التجوال الحر في الماضي القديم والحديث، في رحلة بحث شاقة ومضنية عن الأحداث الحقيقية من أجل إعادة الاعتبار لكثير من الأشخاص الذين طالهم التشويه، وكذلك لتغيير الصورة النمطية التي رسخت في أذهان الكثيرين.

من الواضح أن تلك الكتابة عبر الأنماط المتعددة، تشير إلى مشروع فكري كبير لدى صاحب السموّ حاكم الشارقة؛ إذ إن جميع مؤلفاته التاريخية من دراسات وسرد وأعمال مسرحية، تحمل الرؤى الفكرية والفلسفية؛ لذلك ظل سموّه على الدوام يفضل أن يكتب عبر أسلوب السهل الممتنع، بعيداً عن التعقيد والغموض، من أجل أن تصل رسالة البحث أو النص الإبداعي إلى الناس مباشرة بمختلف مستوياتهم الفكرية، وحتى يقدم للقارئ، الحقيقية كما هي، فهو يغوص عميقاً في دراسة وتحليل وقائع التاريخ، مرتكزاً على المراجع الحقيقية التي لم تصل إليها يد التحريف وفبركة الوقائع التي لطالما صنعت أحداثاً موضوعة ومقحمة، فتلك إذاً مهمة شاقة، وتتطلب وعياً كبيراً، وخبرة في مجال البحث، ومنهجاً يعمل على تحليل الوقائع، ومقارنتها وتفكيكها؛ وذلك ما تتسم به الكتابة التاريخية لصاحب السموّ حاكم الشارقة؛ حيث إن تلك الدراسات استطاعت بالفعل أن تضيف قولاً حقيقياً جديداً ومختلفاً، وأن تصحح الكثير من الرؤى التاريخية السائدة، وصولاً إلى الحقيقة التي توارت سنين خلف جبال صنعت العتمة.

حوار الحضارات

ذلك التنقيب في التاريخ من قبل صاحب السموّ حاكم الشارقة، يحمل الكثير من المعاني والدلالات التي تعين على فهم الواقع ومجاهيل السياسة الدولية؛ حيث إن الحوار بين الحضارات، الغرب والشرق، خاصة العرب والمسلمين، يجب أن يتم على أسس بيّنة وواضحة من الحقيقة، فمن أجل الدخول في علاقات تقوم على الندية والمساواة والاحترام المتبادل، لا بد من استحضار ذلك التاريخ من الاحتلال والانتهاكات، وتلك الحقب التي جرى فيها تزييف الوقائع من أجل تنقيتها من التحريف، فالاتجاه نحو تبني قيم التسامح، وبسط اليد نحو السلام العالمي؛ يتطلب من الآخر، وهو الغرب هنا أن يُقر بكل ممارساته القديمة، فإلى جانب الكشف عن حقيقة ما جرى، فإن صاحب السموّ حاكم الشارقة، يقدم عبر مؤلفاته إدانات لتلك الممارسات التي تمت في حق العرب والمسلمين في أنحاء كثيرة، كما أن المؤلفات التاريخية تلك، ذات علاقة كبيرة بالواقع الراهن والمعيش؛ حيث إن التنقيب في التاريخ يفسر الكثير مما يجري حولنا؛ حيث إن لكل ظاهرة جذورها التاريخية التي تحتاج إلى البحث المتأني، وظل سموّه يقوم بتلك الجهود الفكرية بكل أدوات البحث، بما فيها الزيارات الميدانية، وزيارة المتاحف والمؤسسات التي تحتضن الوثائق والمخطوطات التاريخية.
القضية العربية

كانت قضايا الأمة والهموم العربية والإسلامية حاضرة على الدوام في تلك المؤلفات التاريخية لصاحب السموّ حاكم الشارقة، بكل صيغها وأشكالها، فهي تقدم دفاعاً عن الحضارة والثقافة والفكر العربي، عبر اشتغالات متعددة من الكتابة البحثية والإبداعية؛ حيث تتجول في مؤلفات سموّه المتنوعة المواقف العربية والإسلامية الساطعة والتاريخ المضيء والقيم الراسخة التي تستند على إرث تليد وحي، يحمل القيم والأخلاق، ويقدمها للعالم أجمع، وهو التراث العربي والإسلامي؛ ذلك الراسخ في تربة العالم العربي كما هو متجذر في وجدان الإنسان العربي، الذي يسعى إلى مغالطة كل الصور الزائفة، والتي تشكلت في لحظة قاتمة من التاريخ الغربي، وليخرج أفضل ما في الحضارة العربية والإسلامية العريقة من قيم فاضلة، تحض على السلام والقوة معاً، والتسامح والشجاعة في ذات الوقت.

كانت تلك هي العوالم التي تسبح فيها الكتابات والدراسات البحثية، وكذلك الرؤى الإبداعية المحملة بالأفكار لسموّه في مجالات الرواية والشعر والخطابة والدراسات الأدبية والسيرة الذاتية، فلقد حازت القيم العربية والإسلامية والإنسانيّة في كتاباته، المساحة الأكبر، ليجد القارئ نفسه أمام إبداع يوصل الماضي بالحاضر، ويعيد سرد الحكايات وفق منطق عقلاني، يجعل من الصور القديمة للبطولات والقصص والأمجاد واجهة للعصر، في إسقاط تاريخي بديع يطل على الواقع، ليحقنه بجرعات من إبداع يطرح سؤالاً: كيف نصنع عالماً سعيداً مشتركاً تتعايش فيه الثقافات والمجتمعات في احترام متبادل وسلام بلا حروب؟ وتلك المؤلفات إذ تفعل ذلك؛ أي طرح الأسئلة فهي تجيب بقدر الإمكان، وتقدم تاريخاً خالياً من الشوائب.

تجوال

إن التجوال في مؤلفات صاحب السموّ حاكم الشارقة، يجعل القارئ يعيش تماماً في قلب الفترات التاريخية التي جرت فيها الأحداث والوقائع؛ إذ إن سموّه يقدم من خلال أبحاثه وكتبه، صوراً نابضة بالحياة، ووقائع ترتدي ثوباً جديداً، بعد أن خُلعت عنها الثياب التي تخفي الحقائق؛ حيث إن الكتابة في مجال التاريخ، المدعومة بالوثائق والحجج الساطعة والبراهين الناصعة، لا تترك للمتخصص، أو حتى القارئ العادي أي فرصة لتجاوزها من دون الوقوف عندها طويلاً؛ بل إن الكاتب في تلك الحالة من البذل المعلوماتي المكثف، يقدم رواية جديدة في التاريخ، ومن أجل التاريخ، لكونه قد أنصف الكثير من الجيوب والخبايا المظلومة، بفعل تزوير التاريخ، وداس بسنابك خيل المعرفة والحقائق على أرض ومناطق لم تكن معروفة، وقدم إضاءات كثيفة على كل ما هو مهمل في غياهب النسيان عمداً؛ بل إن سموّه يقدم حججاً جديدة ناصعة من شأنها أن تفتح تلك الملفات التي نُسيت؛ هذا ما يفعله صاحب السموّ حاكم الشارقة في تلك الزيارات للتاريخ القديم والجديد، وفي المساحة التالية نستعرض عدداً من تلك المؤلفات المهمة.

مساحات كبيرة

الاحتلال الغربي لمنطقة الخليج والعالم العربي، كانت له مساحاته الكبيرة في مؤلفات صاحب السموّ حاكم الشارقة، وفيها يسلط الضوء على الكثير من الممارسات والأحداث والوقائع المنسية؛ حيث يعمل على استعادتها، والتأمل فيها، ومن تلك الكتب هناك «الاحتلال البريطاني لعدن» والذي نشر عام 1991؛ إذ يتعرض لصورة من صور الاستعمار البريطاني الذي ابتليت به أرجاء شتى من الوطن العربي، فيتناول المؤلف فيه مخطط بريطانيا لاحتلال عدن، وكيف تصاعد تنفيذها المخطط خلف سواتر من الخداع والمراوغة والدسائس، وكذلك هنالك كتاب «تقسيم الإمبراطورية العُمانية (1856 – 1862)»، ويتناول الكتاب إشكالية ظلت مثار جدل؛ إذ إن شركة الهند الشرقية ابتدعت أكذوبة تداولتها الألسن، مفادها أن السيد سعيد قد قسم الإمبراطورية العُمانية بين أبنائه؛ حيث يتصدى الكتاب لتلك الأكاذيب ويعريها تماماً، وهنالك كتاب «العلاقات العُمانية الفرنسية (1715 – 1905)»، وهو عبارة عن دراسة تستعرض وتسلط الضوء على صراع القوى في عُمان من أجل السيطرة من طرف القوتين الفرنسية والبريطانية، وكذلك كتاب «الوثائق العربية العُمانية في مراكز الأرشيف الفرنسية»، الصادر في عام 1993، وفيه جمع سموّه مجموعات من الوثائق أثناء إنجازه لكتابه «العلاقة العُمانية الفرنسية»؛ وهي وثائق حصل عليها من جهات فرنسية متعددة، ومن المؤلفات المهمة كذلك «يوميات ديفيد سيتون في الخليج (1800 – 1809)»، الصادر في عام 1994، وهو مجموعة من الإفادات التاريخية المهمة؛ حيث عثر سموّه في إحدى مكتبات بيع الكتب في لندن على مجموعة دفاتر كان بينها دفتر يوميات ديفيد سيتون بخط يده، وتبين له أنها مجموعة الوثائق الخاصة بالكابتن جي ويزايت قائد الحملة البريطانية على القواسم.

براءة

البحث في التاريخ ومجاهيله هو عبارة عن رحلة تحتشد بالفوائد الكثيرة، وعلى رأسها إعادة الاعتبار للكثير من الشخصيات، ومن المؤلفات ذات الأهمية الكبيرة في هذا الصدد كتاب «بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد»، الصادر عام 2000؛ حيث استعاد صاحب السموّ حاكم الشارقة في مقدمة الكتاب محاضرة له كأستاذ لتاريخ الخليج العربي الحديث في جامعة الشارقة، مشيراً إلى أن الذي أوصل «فاسكو دي جاما» من الساحل الشرقي الإفريقي إلى الهند ليس البحار العربي أحمد بن ماجد، بعد أن تحقق سموّه من أن جميع المؤرخين البرتغاليين في القرن السادس عشر اتفقوا على أن «فاسكو دي جاما» استفاد من مساعدة «مرشد غُجراتي» عندما أبحر من شرق إفريقيا إلى الهند عام 1498م وهي الرحلة التي كانت مدخلاً بحرياً لأوروبا إلى الشرق، ويتبع صاحب السموّ حاكم الشارقة، نفس المنهج في الدفاع عن شخصيات عربية طال سيرتها التحريف في كتابه «حكم قراقوش... مبحث في حكم التاريخ»، الصادر في عام 2013؛ حيث يعمل سموّه على كشف الكثير من الحقائق التاريخية، فيستعرض، بأسلوبية سردية شيّقة، الزيف الذي أحاط بأبي سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي، والذي نُسجت حوله قصص غير حقيقية، أظهرته بمظهر الظالم القاسي والمجنون، بالتالي يقوم الكتاب بالردّ على الصورة التاريخية المشوهة.

مراسلات

ومن المؤلفات المهمة وذات الطابع البحثي كتاب «مراسلات سلاطين زنجبار»، الصادر في عام 2012، وهو مؤلف شديد الأهمية للمهتمين بتاريخ منطقة الإمارات والخليج العربي وتراثها، من خلال تقديم مجموعة متميزة من الدراسات التاريخية الجادة، التي أصبحت مصدراً مهماً لكل من أراد أن يكتب عن تاريخ المنطقة؛ حيث إن هذا الكتاب يمثل عملاً علمياً جاداً، يتخذ من الوثيقة التاريخية مصدراً مهماً لكتابة التاريخ؛ لأنها تشكل مصدراً حياً موثوقاً ومعاصراً للفترة التي كتبت فيها، أو تتحدث عنها.

في كتاب «سيرة مدينة»، الصادر عام 2015، يأخذنا سموّه في تفاصيل رحلة باذخة الجمال، ووفيرة المتعة، خاصة أنها تتعلق بإمارة الشارقة؛ حيث يعمل الكتاب على رصد تاريخها وإبراز جمال أنحائها وأماكنها، كما تظهر الكتابة المشوقة، قدر المحبة الكبيرة التي يحملها سموّه تجاه تلك الإمارة التي شهدت أجمل وأنضر تفاصيل حياته، وهي ليست مجرد سرد فقط عن المدينة وجغرافيتها؛ بل وكذلك الدور الذي لعبته في التاريخ، وفي مقاومة الاحتلال البريطاني للخليج العربي، فالكتاب يقدم معلومات دقيقة وموثقة.

وفي مؤلف «سرد الذات»، الصادر في عام 2009، يجمع صاحب السموّ حاكم الشارقة بين التاريخ والفكر والأدب والسرد، واللافت في الكتاب تلك المقدمة التي خطها سموّه ومنها المقطع الذي يقول فيه: «كتبت هذا الكتاب لأوثق فيه تاريخ أهلي وبلدي، على مدى تسعة وعشرين عاماً»، ويأخذنا سموّه من خلال صفحات الكتاب إلى عالم الذكريات والتفاصيل البديعة المتعلقة بالمكان وذاكرته، بسرد معطر بتلك الجماليات الروحانية المحرضة على التأمل والتفكير العميق، ويحضر في تلك السيرة، الوطن بقوة، والجهود العظيمة المؤسسة، ولحظات ما قبل التأسيس في فترة أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي، هي حكاية ما قبل النفط، وهي قصة العزيمة والإصرار والتفرد، ومن خلال الكتاب يتلفت القارئ إلى تلك الأماكن والأزمنة، ليستعيد عبق التاريخ والحكايات، ويطلع على معاني الانتماء والهوية، وفي الكتاب يروي سموّه تفاصيل رحلته في الحياة قبل توليه مقاليد الحكم، وكذلك يسرد قصة مسيرة الشارقة، وينفتح الكتاب على تفاصيل دقيقة من خلال السرد الذي يلامس القلوب، وهنالك أيضاً كتاب «حديث الذاكرة»، والذي يتجول فيه صاحب السموّ حاكم الشارقة، عبر أجزائه الثلاثة، بين الوطن وإمارة الشارقة، والعالم العربي والكثير من الرؤى الفكرية التي سادت في مراحل تاريخية مختلفة، ويتناول أسراراً، ويغوص في العديد من المواقف، وهو بمنزلة وثيقة تاريخية للباحثين والدارسين، وبأسلوب ممتع يتعرف القارئ إلى حكايات قيام الدولة وتطورها المطّرد حتى زاحمت رايتها الآفاق، ويواصل سموّه التوثيق للإمارة الباسمة عبر كتابه «بيوت مدينة الشارقة والقرى المجاورة لها وساكنوها»، الصادر في عام 2022، وهذا الكتاب يُوثّق بيوت مدينة الشارقة والقرى المجاورة لها؛ حيث اعتمد على مخطط تصوير جوي لعام 1960.

مرسوم

ومن المؤلفات التي تقوم على المخطوطات النادرة، كتاب «مرسوم بابوي (للبابا أوربان الثامن).. بابا الكنيسة الكاثوليكية»، وصدر عام 2021، وهو يعد مرجعاً مهماً للباحثين وفي مقدمة الكتاب يقول صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: «اقتنيت مخطوطاً، يرجع تاريخه إلى الرابع عشر من أغسطس من عام 1624م، وهو عبارة عن مرسوم بابوي، حرر وختم في روما، في كنيسة «سانتا ماريا ماجواير» من قبل بابا روما، على رق مساحته: 82×65 سم، فقمت بتحقيق ذلك المخطوط»، ويتابع سموّه: في سنة 1622م تم طرد البرتغاليين من هرمز على يد القوات الإنجليزية والفارسية، والتي احتلوها مدة 115 سنة. كانت مهمة القادة البرتغاليين مع القساوسة التنصير، أكان في هرمز أو الساحل العربي من الخليج. وبعد طرد البرتغاليين من هرمز، كانت هناك رغبة من قبل الملك فيليب ملك البرتغال في إعادة احتلال هرمز، وطلب الدعم المادي من رجال الدين فقدموا له مئتي ألف كروزادو «عملة ذهبية»؛ وهي عملة البرتغال في ذلك الوقت، فلم تكفِ لتأسيس أسطول لاستعادة هرمز، وعليه فقد أصدر البابا أوربان الثامن بابا الكنيسة الكاثوليكية مرسوماً بابوياً لجمع تلك الأموال المطلوبة، ولقد وضعت ترجمة لذلك المرسوم في أول هذه الدراسة. كما وضعت ملحقاً به تفاصيل ذلك الأسطول. وتتبعت تنقلاته ومعاركه حتى أصابته النكبة في منطقة الخليج.

وهناك كتاب «من هو الهولي؟» الصادر في عام 2021، يقدم فيه صاحب السموّ حاكم الشارقة سرداً وثائقياً عن قبائل الهولة المنتشرة في العراق وشبه الجزيرة العربية، ويشير الباحثون إلى أن الهولة عرب كانوا يعيشون في صحراء الهول في أرض الجزيرة العربية بين الموصل والرقة على ضفاف نهر الهولي، ثم انتقلوا إلى جنوب العراق، ثم التجأوا إلى مملكة هرمز في بداية القرن العاشر الهجري.

سرية بالغة

كتاب «محاكم التفتيش... تحقيق لثلاثة وعشرين ملفاً لقضايا ضد المسلمين في الأندلس»، وصدر في عام 2020، مرجع ضخم يقع في جزأين، وهو يتناول محاكم سرّية، تمارس الإعدام والحرق، وأموراً كثيرة في حق المسلمين في الأندلس، ويحتشد بالمخطوطات التي تحمل في طياتها التاريخ المأساوي، والتي ظلت محفوظة في سرية، وهو يؤكد فظاعة تلك الجرائم، ويحتوي الكتاب على أكثر من 23 مخطوطة في صورة ملفات محاكمات، ويقودنا إلى تلك المجاهيل المظلمة في التاريخ السري لإسبانيا؛ حيث محاكم التفتيش بكل قسوتها، والتي غابت عنها قيم القانون وتحري العدالة، ويكشف تلك المحاولات غير الإنسانية والمتمثلة في الإرادة القسرية للكاثوليك في تحويل المسلمين عن دينهم تحت مختلف أنواع الترهيب والتهديد.

لغة بسيطة

من المؤلفات التاريخية المهمة، كتاب «إني أدين»، وصدر في عام 2017، وهو مرجع يحاصر التاريخ الرسمي الزائف الذي سطره الإسبان، فهو يتحدث عن مأساة المسلمين الموريسكيين بعد سقوط غرناطة، في الثاني من 2 إبريل/ نيسان من عام 1492، وكان آخر ملوكها هو أبو عبد الله الثاني عشر، المعروف باسم «أبو عبد الله الصغير» 1460 – 1527، وقد كان ملكاً على غرناطة، وهو من بني نصر من ملوك الطوائف، وقد استسلم لفرديناند الثاني، وقد أطلق عليه الإسبان وصف الفرخ، بينما سمّاه أهل غرناطة «الزغابى»، وهو ابن «مولاي أبو الحسن»، الذي حكم مملكة غرناطة في الأندلس، فترتين بين عامي 1464 – 1485، والكتاب يتحدث عن الجرائم التي مورست في حق المسلمين، ويحتوي المؤلف على عشر وثائق تقف دليلاً في وجه فئات من الشعب الإسباني في تلك الفترة، ويتبع سموّه في الكتاب منهجاً فريداً، يعتمد على وضع الإدانات وتبيانها ثم عرضها ووضعها واحدة تلو الأخرى، ولأن الكتاب يستهدف أكبر قاعدة من الناس، فقد اعتمد على لغة مباشرة بسيطة سلسة؛ بحيث لا يقع أي لبس يؤدي إلى تفسير مختلف، مع سرد الوقائع المتعلقة بكل إدانة، وإرفاق المستندات والصور والوثائق التاريخية الداعمة باللغتين الإسبانية والعربية، من أجل إقامة الحجة والدليل، ولعل العنوان في كتاب «إني أدين»، يحمل دلالات وإشارات، فهو يأتي تتويجاً للنص وخلاصة له، فقد انتقل الكاتب من موقف البحث والتقصي والاتهام إلى لحظة جديدة عبرت عنها عتبة النص، وهي الإدانة، وما كان للكاتب أن يطلق هذا العنوان لولا أن استقر عقله واطمأن قلبه على الحكم.

رؤية تصعد بالبطولات والأمجاد إلى واجهة المشهد

كل المؤلفات التي تتناول التاريخ عند صاحب السموّ حاكم الشارقة، تتميز بالصرامة والدقة، وهذا ما تشهد به كتاباته المتعددة التي تحفر في الماضي، ومن تلك المؤلفات: «تحت راية الاحتلال»، و«صراع القوى والتجارة في الخليج 1620 1820م»، و«القواسم والعدوان البريطاني (1797 1820)»، و«تقسيم الإمبراطورية العُمانية»، و«الاحتلال البريطاني لعدن»، و«صراع القوى والتجارة في الخليج (1620 1820)»، و«بيان الكويت سيرة حياة الشيخ مبارك الصباح»، و«محطة الشارقة الجوية بين الشرق والغرب»، و«اقتصاد إمارات الساحل في القرن التاسع عشر»، و«جون مالكولم والقاعدة التجارية البريطانية في الخليج 1800»، و«رسالة زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي 1837»، و«الخليج في الخرائط التاريخية»، و«وصف قلعة مسقط وقلاع أخرى على ساحل خليج عُمان»، و«الشَّيْخُ المُتَصَوّفُ راشِدُ بْنُ مَطَر القاسِميّ»، و«الغفلة.. إحدى عشائر آل غزي في دولة الإمارات العربية المتحدة»، ولعل الدرس المستفاد من كل تلك التحف التاريخية، هي أن التاريخ لا يكتب بالأهواء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kedrtaa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"