الصورة التي تتكلم جميع اللغات

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن
بليغة هذه العبارة حول تكلّم الصورة لجميع اللغات، الواردة على لسان المصوّرة اليمنية، أميرة شريف، المقيمة حالياً في فرنسا، في حوار أجرته معها قناة «فرانس 24»، في برنامج «ضيف ومسيرة». وجبت الإضافة بأن المصورة لم تتحدث عن أن كل الصور هي، بالضرورة، ناطقة بكل اللغات، وحدها الصور الناجحة هي ما يستطيع ذلك، كأنها بذلك وضعت معيار جودة الصورة في قدرتها على تخطي حواجز اللغات وما تحمله من ثقافات، وهي، أي المصوّرة، تنطلق في ذلك من تجربتها، وهي الشغوفة بالتصوير منذ طفولتها، وعملت في مطالع هذه الألفية مصوّرةً صحفية مع وسائل إعلامية عالمية في تقارير حول وطنها اليمن.

أما لماذا نتحدث حول الصور الناجحة فقط، القادرة على قول ما تريد قوله بكل اللغات، فذلك لأن الصورة باتت اليوم ما يطلق عليه المجتمع الإعلامي، لكن وفرة الصور قد تنطوي على محاذير كثيرة، يحذّر منها الباحث مارك أوجيه، في كتابه «اللا أمكنة» والسبب، في تقديره، يعود إلى «خدعة يصعب علينا تحديد المتلاعب بها»، لأنه مهما بدت لنا الصورة التي تصلنا عبر الشاشات، أكانت شاشات التلفزة أو الحواسيب أو حتى الهواتف النقالة، صورة محايدة، فإنها ليست كذلك في كل الحالات، كونها تنطوي على درجة من التوجيه، الذي يمكن أن يكون في الكثير من الحالات مغرضاً، فأي صورة، بتقديره المحقّ فعلاً، «هي واحدة فقط من آلاف الصور المحتملة»، وجرى انتقاؤها بعناية، ليس لأنها الأجود من الناحية التقنية كما يخال لنا، وإنما لأنها توصل الرسالة التي أراد من بثها أن يوصلها، لتمارس «تأثيراً وتمتلك قوة تتجاوز إلى حد بعيد المعلومة الموضوعية التي تحملها». لكننا، على الرغم من ذلك، نعيش في عصر الصورة الأبلغ من كل قول، والمأخذ قد لا يكون حول الصورة نفسها وإنما على طريقة توجيهها تبعاً لأهواء القائمين على حوامل الصور من شاشات وصحف ووسائل تواصل اجتماعي، فالصور، خاصة إذا جاءت على شكل فيديوهات، باتت دلائل إثبات لا تجاريها أية دلائل أخرى حول الوقائع التي جرت وتجري.

وفي حالات كثيرة، فإن الصور قادرة على «قهر» رغبات من يريد تجييرها، للوي عنق الحقيقة. من بوسعه اليوم، مهما كانت درجة تحيّزه، أن يتجاهل أو ينكر دلالات صور الأطفال القتلى في قطاع غزة بفعل القصف الإسرائيلي، التي تبثها الفضائيات، فيما إسرائيل نفسها لم تقدّم ولو صورة واحدة عن مزاعمها بقطع المقاتلين الفلسطينيين لأعناق الأطفال عند دخولهم إلى غلاف غزّة، ما حمل البيت الأبيض نفسه على التراجع عن أقوال رئيسه بايدن بهذا الخصوص.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2amy6k2b

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"